مهم ما قاله المصريون عن مباراة نهائى كأس أفريقيا، التى توجت فيه مصر بطلاً «بلا منازع» وبشكل تاريخى غير مسبوق، مهم أيضا ما قاله المصريون عن لاعبهم المفضل محمد ناجى «جدو»، لاعب الاتحاد السكندرى، ولكن الأهم هو ما قاله الآخرون الذين لا تحكمهم المشاعر ولكن تحكمهم المهنية. «احتفلت أفريقيا بظهور نجم بزغ فى سماء الكرة الأفريقية هو السوبر ساب (الاحتياطى السوب) محمد ناجى «جدو»، لاعب مختلف وقناص، ومنجز»، هذه العبارة تصدرت ما كتب فى بريطانيا عن فوز مصر على غانا، تصدرت تقرير الجارديان والديلى ميل االبريطانية. الحديث كله عن هذا اللاعب المحترف الذى لا يضيع الفرص ويقتنصها بسرعه ودونما فزلكة، أقرب إلى الأسلوب الإنجليزى والأوروبى فى اللعب الذى يهدف إلى إحراز الأهداف وليس مضيعة الوقت. «بلا منازع توج مصر والفراعنة أبطالا لأفريقيا». لست معلقا رياضيا، ولكن استوقفنى فى الفريق المصرى كل من محمد زيدان، البورسعيدى المتميز، وناجى «جدو» الدمنهورى «البحراوى» ولا عب الاتحاد السكندرى، أى أنهما لاعبون من أقاليم مصر وليسوا أبناء القاهرة، والبلد حبلى بالمواهب الخارقة خارج القاهرة، ويحسب لحسن شحاته أنه تجرأ واختار لاعبين من خارج الأندية التقليدية المسيطرة على المنتخب. الحكم فى النهاية ليس بالأندية الكبيرة أو الصغيرة ولكن فى عالم الاحتراف الحكم هو القدرات والمهارات، وفكرة اللاعب الكامل، وكان جدو هو هذا اللاعب، صانع ألعاب خط وسط ومهاجم من طراز فريد، نفس الشىء ينطبق على محمد زيدان. محمد ناجى «جدو» لاعب مجد، يدخل المباراة من أجل إحراز هدف ولا شىء غير ذلك، لذلك كان فى كل مباراة ينجز المهمة، على عكس الآخرين الذين ضمنوا وجودهم فى الفريق بحكم الخبرة والسن، جدو كان احتياطيا، وليس هذا عيباً، ليت كل فرقنا القومية يدرك كل لاعب فيها أنه احتياطى وأن دخوله الملعب غير مضمون، وأن المعيار الوحيد للعب هو الجاهزية والكفاءة، مشكلة مصر برمتها وليس فريق الكرة أنه ليس لدينا ما يهدد مواقعنا، نظن أننا باقون فى أماكننا سواء أجدنا أو لم نجد. الفرق الأوروبية واللاعب الأوروبى يجيد، لأنه لايضمن وجوده ضمن الفريق دائما، فالحكم فى النهاية للجهاز الفنى. ورغم إنجازات حسن شحاته العظيمة إلا أن عماد متعب مثلا لم يكن أبدا جاهزا لخوض المباراة النهائية، فلماذا المجاملات على حساب القدرات الفنية؟ المباراة انتهت بتتويج مصر بطلا لأفريقيا، ولكن كانت هناك لحظات حرجة فى المباراة جعلت المشاهد على غير ثقة أن الأمر سيسير لصالحنا، ولولا تغيير حسن شحاته لمتعب واستبداله بجدو، ربما كنا دخلنا فى وقت إضافى وأمور أشبه بذلك. جدو منح الثقة لفريقه وللمشاهدين،لأنه ما إن دخل الملعب، إلا وأنجز هدفا حاسما. هذا النوع من اللاعبين، حتى لو يحقق المراد، إلا أن وجوده يبعث الثقة فى الفريق كله، ويجعله أقرب إلى روح الفوز من روح الاستسلام. «جدو» لاعب جديد فقط على من لم يشاهدوا لاعبى الأندية الأخرى من خارج القاهرة، فى أندية مثل غزل المحلة والإسماعيلى والاتحاد.. إلخ.. فجدو أحرز هدفا مميزا فى فريق النادى الأهلى، وأحرز هدفا رائعا فى حرس الحدود.. هناك لاعبون أيضا من أمثال جدو فى طلائع الجيش وفى الإسماعيلية وفى أسوان، وفى الغربية والشرقية والصعيد، ولأى مدرب يريد أن ينجح مثلما نجح حسن شحاتة فى أن يدور القطر كله بقراه ونجوعه كى يبحث عن الموهبة، ولا ينتظر الموهبة أن تأتى إليه فى القاهرة. «جدو» لاعب متكامل ونادر من حيث القدرات والمهارات والبنية الجسمانية، وضربة حظ أنه موجود فى الاتحاد السكندرى، لأن اللاعبين من نوعية جدو تصنع فى مصانع الأندية الكبرى منذ الصغر، تأكل بشكل جيد وتتدرب تدريبات تؤهلها على الجرى والسرعة وبناء الجسد على غرار لاعبى أفريقيا وأوروبا مثل صامويل إيتو أو دروجبا، أو مايكل إسيان والبرتغالى كريستيانو رونالدو. «جدو» هو ضربة حظ مثلما كان محمود الخطيب ضربة حظ. لذا لا بد لمصر، أن تبدأ برنامجا حقيقيا يبحث عن المواهب فى كل أرجاء مصر كى نجد أكثر من زيدان فى بورسعيد، أو أكثر من عبدالشافى أو المحمدى، أو هانى سعيد، من فئة اللاعب المتكامل. يغيظنى جدا ذلك الغرور الكاذب فى لاعبى أندية القاهرة الذين كل إنجازاتهم أنهم وجدوا فى القاهرة وفى أندية كبيرة لا يمكن تجاهلها. لقد أحسن شحاتة صنعا أنه تجاهل الكثيرين من لاعبى الأهلى والزمالك ممن ظنوا أنه قد كتب علينا أن يلعبوا بغض النظر عن قدراتهم وجاهزيتهم. ألف مبروك للفريق القومى، ولكن بعد الفرحة، يجب على الكابتن حسن شحاته، لاعب خط وسط الزمالك المتميز وابن البحيرة أيضا، ومدرب الفريق القومى، أن يذهب إلى البحيرة وأن يبحث عن النجوم فى القرى والنجوع، ليجد هناك أكثر من «جدو» واحد، فمصر حبلى بالشباب الواعد، المهم هو الخروج من القاهرة والبحث عنهم. تلوث القاهرة لا يخلق لاعبا عداء، اللاعب العداء فى النجوع والقرى، ابحثوا عنهم من فضلكم، ليس فى الكرة فقط وإنما فى كل مناحى الحياة. جدو كما أشارت إليه الصحف الغربية ليس نجم مصر فقط وهداف البطولة، ولكنه نجم سطع فى سماء الكرة الأفريقية برمتها، وهذا هو إنجاز حسن شحاته. الاحتراف والجدية فى العمل هما أساس النجاح فى أى عمل. التفوق كفاءة لا مكافأة، ويجب أن يكون كذلك، ومن جد، وجد، ف«جدو» تجدوا.