أثار شجونى وحرك مشاعرى وأحزننى بشدة على ما نحن فيه موقف القضاء الإنجليزى من مذكرة اعتقال وزيرة الخارجية السابقة تسيبى ليفنى على خلفية اتهامها بارتكاب جرائم حرب طبقا لما جاء بتقرير جولدستون عن حرب غزة.. إنجلترا البلد الذى يمكن أن يقال إنه هو الذى أنشأ إسرائيل بوعد بلفور وأمدها ويمدها هو وحلفاؤه فى الغرب وأمريكا بأسباب الحياة لم يجد القضاء الإنجليزى المستقل غضاضة فى أن يصدر مذكرة اعتقال لوزيرة الخارجية السابقة وزعيمة المعارضة الحالية عندما اقتنع بأنها ارتكبت جريمة حرب فى حق الشعب الفلسطينى فى غزة، هذه الوزيرة تزور مصر كثيرا سواء وهى وزيرة أو بعد خروجها من الوزارة هى وغيرها من مجرمى الحرب فى إسرائيل، وشعب مصر لا ينسى منظر وزير خارجية مصر وهو يأخذ بيدها خوفا من سقوطها فى مشهد لا يتكرر إلا مع حبيب يخاف على حبيبته من أن تتعرض للخطر، الوزيرة التى يجمع الجميع على أنها أعلنت الحرب على غزة من مصر لتضع حكامها مع شعوبهم وشعوب العالم فى موقف المتواطئ ضد إخوتهم فى غزة وظهور أيديهم وقد تلطخت بدم الأشقاء وهو عار ما بعده عار لا تستطيع أن تمحوه السنين الطويلة، سألت نفسى وأنا أطالع هذا الخبر - خبر مذكرة اعتقال تسيبى ليفنى وزيرة خارجية إسرائيل السابقة وزعيمة المعارضة الحالية - هل يمكن أن يصدر القضاء المصرى مثل هذه المذكرة أم أن نظرية أعمال السيادة ستقف عائقا أمامه.. تلك النظرية التى ابتدعها من يريد خلق الحاكم المستبد وتلقفتها يد القضاء الراغب فى الابتعاد عن إغضاب الحكومة على حساب حرية ومصالح الشعب، نظرية أعمال السيادة هذه نظرية عالمية وليست مصرية تطبقها كل بلاد الدنيا، ولكن بأسلوب مختلف حسب درجة استقلال قضائها وحرصه على بسط رقابته على كل ما من شأنه أن يمس مصالح الشعب وحرياته وثرواته وأمنه القومى، هذه الأمور التى لا يجب أن تكون طليقة من كل قيد أو رقابة على تصرفات الحكومة فى شأنها، فلا يمكن مثلا اعتبار تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل العدو الأول للعرب يقوى به ويعتدى علينا وعلى إخواننا مسألة أمن قومى تتصرف فيها الحكومة على هواها دون رقابة من قضاء عادل يضع فى أولوياته المحافظة على مصالح الشعب، بل يمكن القول بكل ثقة إن مسألة تصدير الغاز، وهو ثروة شعب مصر وأجياله القادمة، إلى العدو الإسرائيلى هى التى تمس أمن مصر وتزعزع استقراره، يجب أن يعاقب كل من قام ويقوم به لا أن نشجعه على ذلك، ونقول له أنت حر فيما تفعل ولا رقابة للقضاء عليك فى هذا الشأن، ولا يمكن القول إن إحكام الحصار على إخواننا فى غزة ومنع الطعام والشراب والدواء عنهم لغير ذنب جنوه مسألة أمن قومى تتحكم فيها الحكومة المصرية كما تشاء ووفق مصلحتها الشخصية بغض النظر عن مصلحة ومشاعر الشعب المصرى وشعوب العالم جميعا، ويزيد الأمر سوءاً ما يحدث هذه الأيام من بناء جدار عازل بيننا وبين إخواننا فى غزة بطريقة تمنع عنهم أبسط ضروريات الحياة، وتسد المنفذ الوحيد الذى من خلاله كان الإخوة فى غزة يتناولون ما يمكن أن يقيم الأود بضع لقيمات يمكن أن يقمن الصلب.. هل هذا كثير على شقيق يعانى من الحصار الظالم الذى فرضته أمريكا وإسرائيل على شعب عبر عن رأيه وأنه اختار حكامه بحرية بعد أن سمح له بذلك كما تفعل كل شعوب العالم الحر، يتساءل الكثيرون فى مصر والعالم على نفقة من يبنى هذا الجدار؟، وما السبب فى بنائه فى هذه الأيام بالذات؟، هل حقا من أجل منع تهريب السلاح إلى داخل مصر، ومن الذى له مصلحة فى زعزعة الاستقرار فى مصر غير إسرائيل التى رغم أن حكومة مصر صديقة لها فإنها تتمنى زوال شعب مصر كله كى تكون مصر هى التوسع الطبيعى لها كما تحلم منذ إنشائها.. إن الإخوة فى غزة، مليون ونصف المليون عربى، لو دخلوا إلى مصر فلن تشعر مصر بهم وسيتوهون وسط شعبها الذى لهم فيه نسب وصهر، أما الإسرائيليون الأعداء فإنهم أضعاف ذلك ولهم أطماع لا تحدها حدود ولا يقف فى طريقها عائق. تحدثت مع كبار رجال القانون الدولى فى مصر عن إمكان اتخاذ القضاء المصرى إجراء فى حق مجرمى الحرب الإسرائيليين عند دخولهم إلى مصر فعلمت أن المادة 146 من اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 والتى تنص على أن (تتعهد الأطراف المتعاقدة بأن تتخذ أى إجراء تشريعى يلزم بفرض عقوبات جنائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية المبينة على المادة التالية.. ويلزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو الآمر باقترافها وبتقديمهم إلى المحاكم أيا كانت جنسيتهم)، فعلمت أنه رغم انضمام مصر لهذه الاتفاقية منذ وضعها فى سنة 1949 لم يصدر تشريع من مجلس الشعب بوضعها موضع التنفيذ وبذلك لا يستطيع القضاء المصرى إصدار قرار مماثل مثل ما أصدره القضاء الإنجليزى وطبعا الحكومة المصرية متعمدة عدم إصدار هذا التشريع حتى لا تعطى القضاء المصرى هذا الاختصاص الذى يجعله يصدر مثل هذا القرار الذى يضعها فى موضع حرج مع أصدقائها الإسرائيليين الذين يرتعون ويصولون ويجولون فى مصر ويفعلون فيها ما لو فعلوه فى إسرائيل نفسها لوجدوا أنفسهم موضع لوم ومحاكمة. الحكومة متعمدة عدم إصدار هذا التشريع ومجلس الشعب الحالى والمجالس التى سبقته ليست لديها القوة لإصدار مثل هذا التشريع، وأعلم أن هناك محاولات عدة بذلت فى هذا الشأن باءت كلها بالفشل أمام إصرار الحكومة على أن تظل هذه المادة بلا فاعلية، ولو أن لدينا مجلسا منتخبا انتخابا حرا بإرادة الشعب لأمكنه اقتراح هذا التشريع والتصويت عليه ووقتها ستجد الحكومة نفسها مرغمة على إصداره. هل من المعقول أن تبقى اتفاقية عالمية من سنة 1949 حتى الآن بلا فاعلية وهى اتفاقية تعمل على محاسبة كل من يرتكب جرائم حرب ضد الإنسانية التى تعانى كل يوم من هذه الجرائم، مطلوب من مجلس الشعب الحالى أن يختم عمره الذى سينتهى هذا العام بعمل يذكر له وهو إصدار القانون اللازم لوضع هذه الاتفاقية موضع التنفيذ وليبدأ المجلس عمله بسؤال يوجه إلى كل من وزيرى الخارجية والعدل لكى يوضح للشعب ما وصلت إليه الجهود لتنفيذ وتطبيق اتفاقيات جنيف لعام 1949 فى النظام القانونى المصرى، خاصة إصدار التشريعات التنفيذية لهذه الاتفاقيات أسوة بباقى البلاد المحترمة التى وقعت عليها، وما أسفرت عنه جهود اللجنة القومية للقانون الدولى الإنسانى التى كانت تنعقد فى وزارة العدل تحت مظلة مساعد الوزير مسؤول التعاون الدولى، حتى يمكن إحياء هذا الموضوع المهم والدفع به إلى الأمام من أجل إخراج هذا القانون إلى حيز التنفيذ، وأعتقد أنه من السهل على أى عضو من أعضاء مجلس الشعب توجيه هذا السؤال إلى كل من وزير الخارجية ووزير العدل لأنهما المسؤولان عن خروج هذا التشريع إلى حيز الوجود وإلا ما جدوى التوقيع على هذه الاتفاقيات منذ ستين عاما. استقلال السلطة القضائية ليس كلمات معسولة يقولها المسؤولون فى المناسبات السعيدة، ولكنه أحكام وقرارات تصدرها السلطة القضائية فى القضايا المهمة وتحترمها السلطة التنفيذية، ويشعر الشعب معها بأن القضاء فعلا مستقل لا سلطان لأحد عليه، وخذ مثلا لذلك القضاء الباكستانى الذى كان له إسهام فى خلع الرئيس الباكستانى السابق برويز مشرف الذى تجرأ عليه وها هو يثبت أنه فعلا قضاء مستقل بإصدار مذكرة اعتقال فى حق وزير الداخلية وبعض كبار المسؤولين ويمكن أن ينال فى مرحلة قادمة من رئيس الجمهورية المتهم بجرائم فساد والذى يهتز كرسى الحكم من تحته، هذا هو القضاء المستقل حقا وليس القضاء الذى يستجدى رئيس الجمهورية فى أن يتعطف عليه ببعض المنح والعطايا والكلام المعسول الذى يتناقض مع الواقع المر الذى يمر به القضاء الذى يقف من الحكومة موقف المستجدى. [email protected]