كتبت الأسبوع الماضى تداعيات شخصية بمناسبة ذكرى مولد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذى فات عليه 92 عاماً. جاء المقال مزجاً بين الخاص والعام فيما يخص هذا الزعيم فى عرض أدبى مختصر يشبه الفلاشات الوامضة لفترة من تاريخ مصر الحديث التى لم تتجاوز الثمانية عشر عاماً بكل انتصاراتها وإخفاقاتها. وصلتنى ردود أفعال كثيرة إثر نشر المقال، الكثير منها يؤيد موقفى من الثورة وزعيمها من حيث النزاهة والإخلاص وطهارة اليد، والبعض الآخر يعيب عليهما غياب الديمقراطية وفتح أبواب المعتقلات السياسية ليدخل فيها الشيوعيون والإخوان المسلمون.. طرف آخر أشار إلى مصادرة حرية الرأى والتعبير من وسائل الإعلام والأشكال الفنية التى انتقدت الثورة وأداء زعيمها ورفقائه. لن أضع نفسى عند الرد فى خانة المحامى العام لثورة يوليو 1952 التى أعتبرها انتهت بمبادئها الستة بموت عبدالناصر عام 1970. كما أننى لن أنصّب نفسى رائدة فى معركة الدفاع عن شخص الزعيم وأنبرى شاهرة قلمى مبررة أخطاءه، لسبب بسيط وموضوعى وهو أنى اعترفت فى المقال السابق بكل فخر واعتزاز بانحيازى «الواعى» للزعيم والإنسان جمال عبدالناصر. موقفى من الرد هنا على تلك الاتهامات لن يتجاوز التذكير ببعض الحقائق والوقائع التى سقطت من مخزون ذاكرتنا، نتيجة للهجمات الشرسة المنظمة للتعتيم الإعلامى والطمس الوثائقى لفترة تعتبر الأهم من تاريخ مصر الحديث.. ولزعيم مصرى يعتبر الملهم الأول لمبادئ الحرية والاستقلال الوطنى، لا فى مصر وحدها، ولكن فى الوطن العربى وأفريقيا وبلدان العالم الثالث المقهور كله. أذكركم حتى لا ننسى بأسماء بعض المسرحيات التى تم عرضها على مسارح القاهرة فى فترة حكم عبدالناصر التى تنتقد سلبيات التطبيق للعمل السياسى فى تلك الفترة، أمثال: سكة السلامة لسعد وهبة، الزير سالم لألفريد فرج، بلاد بره لنعمان عاشور، السلطان الحائر لتوفيق الحكيم، الفرافير ليوسف إدريس، وغيرها. من الأفلام السينمائية أذكركم بميرامار لنجيب محفوظ، وشىء من الخوف لثروت أباظة، والعصفور ليوسف شاهين. ومن الأدب الروائى، أذكركم بروايات وقصص للعمالقة نجيب محفوظ ويوسف إدريس ومصطفى محمود وتوفيق الحكيم وكثيرين غيرهم، كتبوا بأسلوب الرمز والإسقاط الفنى ما يكشف سلبيات الحكم فى حياة عبدالناصر. أذكركم كى لا ننسى بمقال كتبه جمال عبدالناصر بعنوان «فلنتصارح ولا نجامل» نشر فى جريدة الجمهورية بتاريخ 7 ديسمبر 1953 يكشف فيه ناصر بقلمه خطط ومساعى الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى للقضاء على فكرة القومية العربية بما تمثله من خطر ماحق على أطماعه فى المنطقة، ومن بين تلك الخطط زَرْع بريطانيا للكيان الصهيونى كجسم غريب ليصبح شوكة فى ظهر الوطن العربى كله. المهم فى هذا المقال النقد المباشر الذى وجهه ناصر للقادة العرب بقوله: «تعاهد القادة العرب باللسان على أن ينقذوا فلسطين ولكن الحقيقة أن كل منهم كان يريد شراً بأخيه، وكانت تتنازعه الأطماع وكأنه لا يعرف أنه حين يطعن أخاه فإنما يطعن نفسه». المقصد من وراء نشر هذا المقطع من المقال الذى كتبه ناصر بفكره وقلمه هو إيمانه بحرية النقد، بهدف الإصلاح وتصويب انحرافات الأفكار عند التطبيق. [email protected]