كادت تحدث أزمة دبلوماسية بين الصين وأمريكا بسبب جوجل!!. الصين بالمليار ونصف المليار بنى آدم تتفاوض مع لارى وسيرجى صاحبى هذا الموقع العبقرى، دولة وتنين وأكبر مارد اقتصادى يتفاوض ويتناقش ويضغط عليه من مواطنيه ويتدخل أوباما وتهدد هيلارى وتطلب وزارة الخارجية الأمريكية توضيحاً وتتظاهر جمعيات حقوق الإنسان، كل هذا بسبب جوجل الذى أعلن أن الصين تخترق حسابات نشطاء حقوق الإنسان الصينيين، ولذلك فهو يرفض رقابة الحكومة الصينية عليه!!، المهم ليست الأبعاد السياسية للخبر، إنما المهم والذى جذب انتباهى كيفية تغير موازين القوى فى العالم، وكيف يخرج موقع افتراضى من فضاء الإنترنت الفسيح ليفرض شروطه بهذه القوة على طاولة المفاوضات مع أعتى القوى السياسية ؟، لم تعد القوة الاقتصادية ماكينات بخار وعرقاً فى مناجم فحم ومصانع بآلات عملاقة ومزارع قمح بملايين الهكتارات على مساحات شاسعة، وإنما من الممكن أن تمتلك أخطر وأهم قوة اقتصادية من مجرد فكرة تخططها على كمبيوتر فى حجرة نومك، تنمو الفكرة ويكبر الحلم فيتشكل كياناً اقتصادياً ومعرفياً اسمه جوجل، نبى العصر الحديث والعلامة التجارية رقم 7 فى العالم والذى بلغت عائداته فى الربع الأول من العام الماضى خمسة مليارات ونصف مليار دولار وصافى أرباحه ملياراً ونصف المليار دولار، كياناً اقتصادياً جعل صاحبيه لارى وسيرجى بعد سنوات قليلة يحتلان الموقعين 25 و26 على قائمة أغنى رجال العالم!. أثناء متابعتى لهذا الخبر حاولت أن أقترب أكثر من عالم صديقنا المشترك الأستاذ « جوجل»، والذى أعتقد أنه لولا هذا الصديق لأغلقت كل الصحف والفضائيات أبوابها لأنها تغرف من معينه ونبعه كل أخبارها وتحليلاتها!، شاهدت فيلماً وثائقياً عن حياة مؤسسى جوجل «لارى بيج» و«سيرجى برين»، وقرأت عن ثورة جوجل التى غيرت العالم والتاريخ، خطرت فى ذهنى مقارنة وأنا أنظر إلى صور شبابنا التى تحتل الصفحات الأولى أثناء أزمة النقاب الأخيرة فى الجامعات، شباب منتفخ الأوداج يرفع لافتات تدافع عن النقاب، ويصرخ عبر الميكروفونات «مستعدون للشهادة دفاعاً عن النقاب رمز العفة»، وأمامهم طابور ملثم من الفتيات يرتدين اللون الأسود القاتم، وينظرن إلى العالم من خلال ثقبين ضيقين ونافذتين خانقتين تسربان بالكاد ذرات الأكسجين الكافية للتنفس، قارنت بين اهتمامات وأولويات طلبة جامعاتنا من شباب العشرينات، وبين اهتمامات هذين الشابين فى جامعة ستانفورد بأمريكا والحلم الذى جمعهما فى نهاية التسعينيات وكانت سن كل منهما حوالى 23 سنة!!، الحلم الذى رفضه الجميع فى البداية وسخر منه أصحاب الشركات عند عرضه عليهم، الحلم الذى تحقق عبر جسر واحد فقط هو جسر الإرادة والعزم والتصميم وإطلاق جميع قوى العقل من قيودها حتى يطير ويعبر الحواجز والأسوار وينثر بمنقاره الذهبى بذور البهجة وحب الحياة لا ثقافة الكآبة والانتحار. إذا كان «برومثيوس» هو سارق النار الذى علم البشر المعرفة فعذبه «زيوس» كبير الآلهة بربطه بين جبلين ليأكل طائر العقاب كبده كل ليلة فى مسلسل عذاب أسطورى، فإن هذين الشابين اليهوديين لارى وسيرجى هما سارقا النار فى الأسطورة الحديثة المعاصرة، أسطورة «جوجل».