استولت الرغبة فى الخلود على اهتمام الناس منذ آلاف السنين.. وبذلوا الكثير من الجهد للاحتفاظ بالشباب والبحث عن طريقة للقضاء على الشيخوخة.. ومازال هذا الجهد مستمرا فى معامل الأبحاث بلا جدوى..لأن ذلك لو تحقق وقف الزمن.. ولا يتوقف الزمن أبداً فى الحياة الدنيا... وإنما يتوقف فى الحياة الآخرة كما بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة فقال عنها: «إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً.. وإن لكم أن تشبوا لا تهرموا أبداً». وروى الإمام مسلم عن السيدة عائشة رضى الله عنها أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فنظر إلى أصغر شاب فيهم وقال: «إن يعش هذا لا يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم» وإذا عاش إنسان ولم يدركه الهرم فإن هذا يدل على أنه يعيش فى اللازمن.. ولا يكون ذلك فى عالمنا هذا وإنما فى العالم الآخر حيث تقوم الساعة... ونفهم من الحديث النبوى الشريف أيضاً: أن كل إنسان طال به العمر لابد أن يدركه الهرم ولا يتوقف الزمن إلا فى الحياة الأخرى.. لذلك فإن فيها الخلود ولا يهرم الناس فيها أبداً. وكان سبب بحث الناس عبر العصور عن شفاء للشيخوخة هو شعورهم الداخلى بالخوف من الموت ورغبتهم فى البقاء أحياء.. وهى سمة كل كائن حى.. فالأساطير تحدثت عن رحلات البحث عن سر الخلود وإكسير الشباب الدائم.. واعتقد فريق من الناس قديماً أن نباتاً فى قاع البحر إذا أكل منه المسنون عادوا إلى الشباب.. وتبين أنها نباتات بحرية لا تفيد شيئاً فى ذلك.. وفى مصر القديمة كان المصرى القديم لا يهاب الموت ولكنه يخاف الحساب بعد الموت.. وكانوا يعتقدون أن الموت رحلة إلى حياة أخرى وإلى عالم أسمى.. وكانوا يكررون دائماً قولهم: (إن الموتى يعيشون) (إنك لم ترحل ميتاً إنك رحلت حياً).. وربما نقل المصريون القدماء عقيدتهم هذه عن رسالة سيدنا إدريس عليه السلام الذى عاش فى منف (البدرشين حالياً ) قبل العصر الفرعونى.. واعتنق المصريون عقيدة التوحيد ولما جاء العصر الفرعونى حرفوا اسم إدريس إلى أزوريس كما يعتقد بعض الآثريين. وتم العثور على برديات فرعونية سجلت عليها محاولات الفراعنة لاسترداد الشباب.. ولكنهم لم ينجحوا.. وحاول الهنود القدامى ولكنهم لم يكونوا بأسعد حظاً من المصريين القدماء.. وكذلك فعلت الأمم السابقة فى الصين وغيرها من أمم الشرق الأدنى والأقصى. وظل العلماء حتى العصر الحالى يبحثون عن علاج للشيخوخة واستعادة الشباب ولكنهم لم ينجحوا ولعل آخر المحاولات كانت محاولة الدكتورة أنا أصلان من رومانيا فى منتصف هذا القرن.. وصاحبتها ضجة إعلامية كبيرة إلا أنه فى النهاية لم يكتب لها النجاح وأخيراً تأكد لدى العلماء أنه لا يوجد أى دواء يشفى من الشيخوخة.. فالشيخوخة هى نتيجة تغير بيولوجى حتمى فى جسم الإنسان لا يوقفه شفاء لأنه ليس مرضاً محدداً. ولو تدبر الناس ما جاء فى الحديث النبوى فى هذا الموضوع ما أضاعوا كل هذا الجهد «تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داءً واحداً قالوا: وما هو قال: الهرم. فإذا كان الكبر قدر الذين كتب لهم الله أن يعيشوها.. فلنعيشها ونحن مستمتعون بها راضين بقدر الله فينا.. نبحث دائما عما يسعدنا.. ونتناسى ما ينغص علينا حياتنا.. فالخوف من الموت.. لا يمنعه.