يرقص قلبى فرحاً كلما وجدت على أرض الواقع برهانا على أن التغيير هو بالفعل سُنة الحياة!.. يتساوى فى ذلك بالنسبة لى أن يُغير الزمالك مدربه الذى كاد يهوى بالفريق إلى دورى المظاليم، أو أن يُغير محافظ فى الصعيد مديرَ جمعية زراعية أذاق الفلاحين ظلما وعذابا!.. لا أتعب من البحث عن أمثلة للتغيير فى ربوع مصرنا المحروسة، ولا أدع الإحباط ينتصر حين تنتهى رحلة البحث بالفشل، أو عندما أعود منها بحصيلة تبعث على الضحك، كأن يأخذ التغيير صورة الشلح غير المفهوم، مثلما جرى مع وزير الرى السابق محمود أبوزيد، ووزير التعليم السابق يسرى الجمل! بعد حالات كهذه أوجِّه بوصلة البحث إلى الخارج، وغالبا تأتى النتيجة مرضية! قبل أيام لاحت بوادر تغيير حقيقى فى تترستان، إحدى جمهوريات الحكم الذاتى داخل روسيا الاتحادية.. والحكاية أن رئيس تلك الجمهورية واسمه (منتيمير شايمييف) فاجأ الجميع قبل انتهاء ولايته الثالثة فى مارس المقبل وطلب من الرئيس الروسى دميترى مدفيديف عدم طرح اسمه كمرشح لولاية رابعة!.. من الناحية النظرية (طبعا) يشبه ذلك أن يطلب أحد المحافظين من الرئيس مبارك إعفاءه من الاستمرار فى منصبه!.. أثار قرار شايمييف اهتماما كبيرا، فقد ارتبط اسمه بالاستقرار فى تترستان منذ توليه السلطة عام 1991، كما ينسب إليه مساهمته الأساسية فى بناء نموذج للتعايش الآمن على أرض الجمهورية ذات القوميات والشعوب والديانات المتعددة..لكن الإنجاز الأكبر هو حنكة شايمييف فى الابتعاد عن النموذج الشيشانى ومعالجة الدعوات إلى الاستقلال عن روسيا بالنجاح فى الحصول على مزيد من الحكم الذاتى.. أيقن السياسى المحنك استحالة انفصال تترستان التى تقع جغرافيا فى قلب الاتحاد الروسى، ولا تمتلك حدودا مع دول أخرى مثل الشيشان الواقعة على الحدود مع جورجيا، وداغستان المجاورة لأذربيجان.. قرأ بصورة صحيحة كتب التاريخ القديم والحديث، كما ساعده على ذلك النهوضُ الاقتصادى والصناعى الذى انعكس إيجابا على مستوى المعيشة، وإطلاق يد الحكومة التترية فى إرساء علاقات تجارية مع دول أخرى دون الرجوع إلى موسكو! ورغم أن شايمييف حسب معارضيه لا يختلف كثيرا عن معظم حكام الأقاليم الروسية فيما يتعلق بضلوعه فى فساد إدارى، إلا أن مهارته فى التعامل مع زعماء الكرملين بدءا من جورباتشوف ومن بعده يلتسين ثم بوتين ومدفيديف جعله فى نظر هؤلاء جميعا حجرَ الزاوية فى استقرار تترستان ومتانة رباطها مع المركز الروسى.. غير أن ذلك كله لم يزغلل عينى شايمييف البالغ من العمر 73 عاما.. بسهولة شديدة كان يمكنه البقاء لفترة رئاسية رابعة أو خامسة مادام القلب ينبض، لكنه اختار ترك كرسى الحكم بإرادته لا عن طريق مظاهرات شعبية غاضبة ولا بواسطة قرار رئاسى بشلحه!.. لم تُدخل الحاشية فى اعتقاده أن الأرض ستزلزل وتبتلع تترستان إن رفض الترشح..ولم يضعف أمام أفكار ربما راودته عن غياب الأبهة حين يتحول لقبه إلى: الرئيس السابق!.. أمثلةٌ كهذه ترد على المتشائمين والقائلين بأن التغيير فى زمننا لم يعد سُنة الحياة. [email protected]