قلت لك سابقاً إن أى لجنة تقصى حقائق موضوعية ونزيهة تذهب إلى نجع حمادى، ولا تدين ممارسات الحزب الوطنى وممثليه فى هذه المنطقة، سيجانبها كثير من الصدق والصواب، كذلك طبيعة الدور «السياسى» الذى يلعبه الأنبا كيرلس أسقف نجع حمادى فى المنطقة، وتأثيره على حالة الاحتقان العامة، وعلى عزل الأقباط خلف جدران الكنيسة ليبقى هو المتحدث الوحيد باسمهم، يدير باسمهم الحوار مع الدولة، ويفاوض باسمهم، وفى النهاية لا يحصل على شىء، فعدم رصد ذلك أيضاً سيمثل ثغرة كبيرة فى أى تقرير يسعى لوضع يده على حقائق ما جرى. جزء من هذه الحالة يظهر لك من الاشتباك الواسع بين الأسقف وله كل احترام لمكانته الدينية، والنائبة المحترمة د.جورجيت قللينى، كان أعنفها استدعاء كيرلس نصاً إسلامياً ضعيفاً ليرد به على تساؤلات مشروعة ومنطقية طرحتها جورجيت، بقوله إن «النساء ناقصات عقل ودين» ثم وصفه للنائبة المحترمة بأنها «وش خراب»، وقوله إنها ذهبت إلى نجع حمادى بعد الكارثة ضمن لجنة تقصى الحقائق للوقيعة بين المسلمين والمسيحيين فيها، وأخيراً وهذا مربط الفرس اتهامه لجورجيت بأنها تحب الظهور، وتريد أن تنصب نفسها وصية على الأقباط. مبدئياً لا جورجيت يجب أن تكون وصية على الأقباط، ولا الأنبا كيرلس نفسه ينبغى أن يمارس تلك الوصاية سياسياً وفى غير الشأن الدينى، وأعتقد أن مصالح الأقباط ستكون أفضل لو ركز كل منهما فى دوره الأصيل، فتفرغ الأنبا لعظاته وقداساته وممارساته الروحية، وترك السياسة والمسائل المدنية لأهلها، وتستطيع جورجيت أن تستفيد من وضعها كنائبة فى البرلمان وعضو بمجلس حقوق الإنسان لتحريك الملفات المسكوت عنها، بدءاً من تحريك مشروع قانون دور العبادة الموحد، إلى إعادة طرح نظام انتخابى جديد يعتمد على القائمة النسبية ويضمن تمثيلاً مشروعاً للأقباط نابعاً من صندوق انتخابات حقيقى. لن يفيد الأقباط استمرار لجوئهم للكنيسة، ودفعهم أو تركهم لرجال الدين لتصدر المشهد العام سياسياً بينما هم لا يفتقدون الكوادر السياسية القادرة على التعبير عنهم سياسياً وفى الدوائر الشرعية بعيداً عن النفوذ الروحى لرجال الدين.. أقول لك ذلك فى الوقت الذى نسعى فيه أيضاً وبالتوازى لمقاومة نموذج ولاية الفقيه إسلامياً، ومقاومة ظاهرة استدعاء الدين فيما هو سياسى، بالشكل الذى يعقد الشأن السياسى، ولا يخدم قدسية الدين وجلاله. تحتاج ما تسمى «المسألة القبطية» فى هذا التوقيت إلى حركة حقوق مدنية قبطية ذات منطلقات وطنية، تنبع من الداخل وتبتعد عن أى استقطابات خارجية، وأى إغراءات تمويلية من مهجر ذى خطاب شديد العنف والعنصرية، وتنطلق من إرادة الاعتراف بشرعية الدولة، وتدير حواراً جاداً وموضوعياً وشجاعاً مع الدولة والمجتمع والأطراف الفاعلة فيها بانفتاح واضح على الجميع، بمن فيهم الأعداء التقليديون، وتبتعد عن الخطابات الزاعقة والعنصرية التى تتحدث عن «الإرهاب المحمدى والغزاة العرب»، وتبنى مع شركاء لها دولة الحقوق المدنية والحريات التى ننشدها لجميع المصريين، دولة أصر مرة أخرى على أن أقول إن أهم ما يميزها أن «لا كهنوت فيها ولا ولاية فقيه». هذه الحركة ليس بالضرورة، ولا يجب أن يكون كل ناشطيها أقباطاً، لكن المؤمنين بالدولة المدنية كثيرون، وعندما يتحقق ذلك سيصمت الأنبا كيرلس، ولن تسمع صوته إلا داخل الكنيسة فى عظات روحية فقط، ولن تسمع الجميلة المحترمة جورجيت قللينى من يصفها مرة أخرى بأنها «وش خراب». [email protected]