المخزون الحضارى والتاريخى للشعب المصرى كون لديه طاقة جبارة من القوى الناعمة التى لم تُفجر بعد ولم تُكتشف، وتتمثل تلك القوى فى مربع مهم يحتوى على عناصر. 1 الخوف. 2 الأمل. 3 الشعور والقيم. 4 السلوك والعمل. فإذا بدأنا بالخوف نجد أن الدافع فى أنماط الإدارة فى مجتمعنا خلال الخمسين سنة الماضية كان ومازال هو عدم تدعيم المشاركة، وسيطرة السلطة التى تفرض رأيها وتفرض أسلوب التعامل وتعطى رسائل إلى الأفراد للمعاملة بأن العقاب هو المسبب لتحريك أدائه وشعوره، وهذا التسلط يبدأ من الأسرة، ففى مجتمعنا الأم والأب الجاهلان يستخدمان أساليب التخويف والعقاب كأساس لتنمية وتهذيب السلوك، وكذلك على مستوى المدرسة يتم استخدام نفس الأسلوب من قبل المدرسين، وعلى مستوى الشركات ومؤسسات العمل المركزية تستخدم قوة المدير المستمدة من سلطاته فى العقاب كأساس لتدعيم السلوك كل هذا للأسف يؤدى إلى ضمور الفكر على مستوى جميع المؤسسات والشركات بدءاً من الأسرة إلى أعلى مؤسسات الدولة، وفى مصر كان الخوف لفترات طويلة هو المحرك الرئيسى لسلوك الجماعات، ومن هنا يطرح السؤال نفسه: هل يؤثر الخوف على الإبداع والتعلم والإدراك وعلى تلقى أى معرفة تفيد الإنسان وتقدمه؟ الإجابة أن الخوف لا يفرز إنساناً متوازناً صحياً ونفسياً وقادراً على استمرارية العطاء، الخوف يقتل الإبداع والفكر ويحجم القدرة على التعلم والتنمية، الخوف عدو التقدم، والابتكار والسلوك الصحى، وعدو المشاعر الإيجابية. وبالمقارنة، فالأمل له مدعماته ودوره القوى فى تنمية توقعات البشر وطموحاتهم، فعندما يحرك الطموح والأمل سيسعى الناس بالضرورة لتحقيق آمالهم وينشدون من يساعد فى تحقيقها فتتسع آفاقهم بالسببية، فيجدون أن المعرفة والابتكار وفتح آفاقهم للعالم من خلال طرح أسئلة، لماذا حقق الناس فى المجتمعات الأخرى آمالهم؟ ويبدأون فى المشاركة وتتم مقاومتهم لمعوقات آمالهم، لتحقيق آمالهم ويسعون إلى تكسير وإزالة الحواجز التى تلتف حول عقولهم بمفاهيم خاطئة، فالطفل الذى يتعلم يسأل والطريقة الوحيدة للمعرفة إما الشرح أو الزجر، والزجر هنا للخوف، أما الشرح فهو تدعيم للأمل لمخاطبة العقل وتنميته. فهل يتم عندنا فى التعليم تدعيم الشرح وتنمية العقل؟ فالآمال والقدرة على تحقيقها هما المحرك الرئيسى للشعور، وكثير من الشعوب حرّكتها محصلة آمال البشر من المبدعين والمفكرين أو العمال والحرفيين من الطفولة إلى الشباب إلى كبار السن، فالأمل لا يموت إلا بموت البشر، لأنه عندما يموت الأمل فى حياة البشر تنتكس الشعوب وتفقد قدرتها على الحركة لضعف القدرات اللازمة لتحقيق آمالها. الطموح وتدعيم الأمل نحن فى مصر لا ندعم الطموحين ونعتبرهم مهددين، لأن النموذج المصرى مركزى، سواء على مستوى الأسرة أو المؤسسات التعليمية أو المؤسسات الخدمية. فالطموح مهدد للإدارة لذا يجب أن نضع عليه علامة «لمض - شايف نفسه مغرور» ونقيد الطموح فيه «عيش عيشة أهلك»، وبالتالى أصبحت ثقافتنا فى التعامل والتربية تدعم قتل الأمل ووأده، ونتيجة هذا يقف طموحنا وقدراتنا على الإبداع، وبالتالى يُحرم ذوو العقول المبدعة والطموحة من المراكز القيادية، ويصل إليها متوسطو الذكاء والإبداع بطرق أخرى، ويبدو هذا جليا فى نبوغ المصريين فى الخارج نظراً لاحترام المجتمع الخارجى لطموحاتهم ودعمهم بشتى الطرق. وجميع الاختراعات والإبداعات والتقدم فى الشعوب المتقدمة تأتى من خلال بشر، طموحهم وآمالهم أدت إلى الخروج من دائرة الواقع إلى كسر حدود الواقع، فإذا كان الواقع «تليفون بسلك» يرفضونه ويصنعون المحمول وكذلك وسائل التنقل، فبالأمس كانت بالبعير فرفضت واخترعت السيارة ومن بعدها الطائرة وسفن الفضاء لكسر حدود الواقع، فهو ما يقود إلى التقدم ونحن نوقف أعمالنا على مقولات مأثورة متخلفة «مش هييجى زيه - مش هايتكرر» وهذا مقيد، والدليل أننا منذ المنورين القدامى لم يحترم النظام الإعلامى والسياسى والمؤسسى المنورين الجدد الذين طرحوا نظريات جديدة على المجتمع، ولم يتح لهم مجالاً لتقديم خبراتهم وقدراتهم، فهم مازالوا يرددون الأفكار المقيدة القديمة التى كان لها دور فى حينها، أما السماح للطموحين كأن يعترف بهم وبآمالهم وطموحهم فأصبح نكرانه جزءاً من الأمراض المستوطنة المرتبطة بثقافة النكران، ومرضاً ثقافياً بين المثقفين والعلماء والإعلاميين، وأصبح التشتيت وتسفيه أى فكر جديد جزءاً من السيطرة فى تدعيم السلطات المتحكمة فى مستقبل المجتمع، فالأمل هو عدو الخوف وعلينا أن نعيد النظر فى نظريات الدفعية بالأمل بدلاً من الخوف، فدافع الأمل كلما زاد زادت القوى الدافعة داخل الإنسان وزادت عقيدته وثقته بنفسه، فنحن فى مصر نحتاج إلى تحفيز زيادة الأمل وتدعيم القدرات التى تؤدى إلى تحقيق الأمل الذى لابد أن يكون مرتبطا بهدف واضح ومحدد يدفع المجتمع لتحقيقه فى أى مجال، صناعى أو طبى أو قضائى أو نووى، لأن عدم وضوح الهدف لا يحرك الأمل. فالطاقات الإبداعية والتكنولوجية لن توجه وتكون ذات قوى دافعة لتحقيق الآمال دونما هدف محدد، ومن الممكن أن يكون الخوف هو البديل وهذه هى الطامة الكبرى وبداية انهيار المجتمعات، لذا يجب أن تُبحث العلاقة بين الخوف والأمل فى ثقافة مؤسساتنا ومجتمعاتنا بدءًا من الأسرة إلى إدارة الدولة. [email protected] [email protected]