اهتم المعلقون بخبر اصطحاب الرئيس مبارك ولده جمال فى زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، أكثر من اهتمامهم بالزيارة نفسها. صحيح أنه سبق للابن أن قام بزيارات عديدة من قبل، بعضها أعلن عنه وظل بعضها الآخر فى طى الكتمان، غير أن هذه الزيارة بالذات، فى حدود علمى، هى الأولى بصحبة والده وهو ما يفسر الاهتمام الكبير بها، خصوصا أنها تتم فى ظل أوضاع شديدة الحساسية. لا نملك معلومات مؤكدة عن الدوافع الكامنة وراء قرار الرئيس، ولا عن أجندة جمال فى هذه الزيارة، غير أن الشواهد الظاهرة تشير كلها إلى ارتكاب الرئيس مبارك خطأ استراتيجياً كبيراً حين قرر اصطحاب ولده معه فى هذه الزيارة، بسبب خطورة ما قد ينطوى عليه هذا القرار من دلالات، وذلك للأسباب التالية: 1- عدم وجود أى ضرورة رسمية تستدعى تواجد أمين لجنة السياسات، فجمال لا يشغل وظيفة تنفيذية، ومن ثم، فهو ليس عضوا بالوفد الرسمى وليست له صفة تؤهله لذلك، فضلا عن أنه لا صلة للزيارة أصلا بالعلاقات الثنائية بين مصر والولاياتالمتحدة، والتى قد تتطلب وجوده كمستشار.. ومعنى ذلك أن جمال يتواجد فى هذا المشهد بصفته «ابن الرئيس»، ولأسباب لا علاقات لها بضرورة أو بمصلحة عامة. 2- إن الزيارة تأتى فى ظل أوضاع صحية غير عادية للرئيس مبارك، قد تحول دون ترشحه لفترة ولاية سادسة، وعقب انطلاق «حملة شعبية» تطالب بتنصيب جمال رئيسا لمصر. ولأن مشروع «توريث السلطة» يواجه برفض متنامٍ وبحراك شعبى يطالب بالتغيير، فمن الطبيعى أن يثير قلقا دوليا، ربما يكون الرئيس قد رأى أن الزيارة تتيح فرصة أنسب لمناقشته وتبديده فى حضور جميع الأطراف. 3- إن المناسبة التى استدعت الزيارة فرضت حضوراً ومشاركة طبيعية من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلى، ومن ثم تتيح فرصة لم يخطط لها أحد وفى أفضل الأوقات ملائمة لمناقشة صريحة حول موقف كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل من مشروع نقل السلطة من الأب إلى الابن. وإذا صح هذا التحليل، فمعنى ذلك أن الهدف الرئيسى من قرار الرئيس مبارك اصطحاب ابنه معه فى هذه الزيارة هو: 1- تقديمه إلى كل من الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى وتزكيته لديهما باعتباره الرئيس المقبل. 2- تطمينهما معا على الاستقرار فى مصر، من ناحية، وعلى ثبات الموقف المصرى من الصراع العربى - الإسرائيلى، من ناحية أخرى. 3- ترتيب لقاءات اجتماعية بين جمال مبارك وعدد من القريبين من مراكز صنع القرار فى الولاياتالمتحدة وإسرائيل للتعرف عن قرب على شخصية الرئيس المصرى المقبل. لا أظن أن هذا التحليل وما انتهى إليه من استنتاجات يمكن أن يكون تخيليا أو افتراضيا أو أنه يبعد كثيرا عن الحقيقة، رغم افتقاره إلى المعلومات الموثقة. فحين لا تتاح أمام الشعب المصرى فرصة حقيقية لاختيار رئيسه من خلال انتخابات نزيهة وشفافية يتنافس فيها بحرية من هم أهلٌ لشغل هذا المنصب، يصبح التأييد الخارجى، خاصة الأمريكى والإسرائيلى، هو البديل الطبيعى للتأييد الشعبى المفقود. فإذا لم يكن هذا الاستنتاج صحيحا، فمن الطبيعى أن يطرح السؤال التالى: لماذا اتخذ مبارك هذا القرار، الذى لا نشك لحظة أنه ينطوى، بصرف النظر عن دوافعه الحقيقية، على خطأ استراتيجى لا يغتفر.. هل يحاولون الفرصة الأخيرة؟ لا أظن أنهم سينجحون، ولا أتمنى ذلك لمصر.