جاءت إحالة النائب العام الكويتى، حامد العثمان، وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد الصباح إلى محاكمة الوزراء لتؤكد حجم الخطوات الديمقراطية التى اتخذتها دولة الكويت خلال الفترة الماضية بما يسمح بإحالة أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، وزير الداخلية إلى المحاكمة، بينما كان يستحيل التفكير فى هذا قبل بضع سنوات. فالوزير الكويتى سيواجه بعدد من الاتهامات وهى: إهدار المال العام، وحمل موظف ذى اختصاص قضائى على الامتناع عن اتخاذ إجراءات قانونية، وإساءة استعمال السلطة والتمييز والاضطهاد ضد أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات، والتمييز فى رواتب ومكافآت الإدارة العامة للتحقيق، وقام أحد نواب مجلس الأمة الكويتى بتقديم هذه الاتهامات للوزير. ويأتى هذا التصعيد فى مواجهة وزير الداخلية بعد أن واجه طلبا بحجب الثقة عنه فى البرلمان الكويتى فى أواخر أيام العام الماضي، ووافق 18 نائبا على الطلب ورفضه 26 وامتنع 5 عن التصويت بما يؤكد صعوبة المواجهة البرلمانية التى خاضها، خاصة أنها كانت الثانية فى غضون أشهر قليلة. ويأخذ النواب والرأى العام الكويتى على الوزير عدم رده على ما يوجه إليه من أسئلة برلمانية، وكذلك مسؤوليته عن المواجهات والاعتقالات التى أعقبت مقاومة الحكومة لما يعرف بالانتخابات الفرعية المجرمة قانونا. ويلاحظ هنا أن القرار الأخير يعد إسقاطا تاما لأحد أهم الأمور المحرمة (التابوهات) فى المجتمع الكويتي، وهو محاسبة الأسرة الحاكمة «سياسيا» إلى حد إحالة أحد أعضائها إلى المحاكمة وإن أكدت مصادر حكومية أن الاتهامات الموجهة للوزير مرسلة وغير ذات أثر عملى عليه. وبدأت العائلة المالكة فى الكويت فى السماح بقدر أكبر من المحاسبة والمساءلة «جنائيا» لأعضائها فى أعقاب الحادثة التى اتهم فيها أحد أعضاء الأسرة الحاكمة فى الدولة بالاتجار فى المخدرات عام 2008، ثم تمت إدانته بإعدام، مما رآه المراقبون تقويضا لقدرة الأسرة الحاكمة على تفادى الانتقادات المختلفة من وسائل الإعلام أو حتى على مستوى الرأى العام الشعبى. ويأتى الانفتاح الرسمى كجزء من توجهات أمير الدولة الشيخ صباح الأحمد الصباح، حيث يحكم الصباح الدولة فعليا منذ عام 2001 بسبب مرض سلفيه بما حال بينهما وبين أداء واجباتهما، قبل أن يتولى الصباح السلطة رسميا عام 2006. ويقول المقربون من الصباح إنه يدرك كم التحديات الحالية التى تواجه بلاده، خاصة مع ما وصفه أخيرا بزيادة التوترات القبلية والاثنية فى البلاد، خاصة بعد أن اشتكت العديد من القبائل من محدودية ما تحصل عليه من مميزات مقارنة بالأسرة الحاكمة، ولذلك يرى الصباح أن الحل الأمثل لمثل تلك التوترات هو تدعيم دولة القانون بالقدر الممكن، دون أن يؤدى ذلك إلى المساس ببقاء الأسرة الحاكمة. كما تهدف خطوات الصباح الانفتاحية إلى تطويق الصعود المتواصل للإسلاميين (سنة وشيعة)، خاصة مع تمددهم الواضح فى الشارع وداخل مؤسسات الدولة. يبقى أنه من الصعب أن يصدر حكم بإدانة جابر الصباح على أى من التهم التى يواجهها، خاصة مع ما أكدته المصادر القضائية الكويتية أن الاتهامات الموجهة له مجرد أقوال مرسلة، بل تأكيد مصادر أخرى على أنه قد يطلب تعويضا من النائب الكويتى الذى وجه له هذه الاتهامات عندما يثبت خطؤها، غير أن إحالته هذه المرة للمحاكمة فقط، وإن بدت صورية – وبغض النظر عن صحة الاتهامات من خطأها تبشر بمستقبل أكثر انفتاحا وديمقراطية.