لو كان الزميل الإعلامى عبداللطيف المناوى، رئيس قطاع الأخبار، مازال حتى هذه اللحظة مديراً لمكتب جريدة الشرق الأوسط اللندنية فى القاهرة، لكان لحظة كتابة هذه السطور «بعد ظهر الجمعة» فى مطار القاهرة، ينتظر وصول الدكتور محمد البرادعى، ويحرك الصحفيين الذين يرأسهم، فى كل الاتجاهات لرصد ما يحدث فى المطار بمهنية تميزت بها صحيفة الشرق الأوسط، وتميز بها الصحفى عبداللطيف المناوى. لو كان المناوى مازال فى موقعه السابق، ما سمح لعشرة أيام يقضيها البرادعى فى القاهرة، تمر دون أن يظفر بحوار خاص معه، يسبق به الجميع، ويديره بمهارة وتمكن يميزانه، ومهنية مارسها وعلمها للكثير من شباب الصحفيين، دون انحيازات مفرطة ضد ضيفه، ودون تعاطف مبالغ فيه معه، ودون حسابات أبعد من المهنة، ولا ولاءات أهم من القارئ المتلقى. لم يتغير الكثير منذ غادر المناوى موقعه فى جريدة الشرق الأوسط، والتحق بقطاع الأخبار بالتليفزيون الحكومى، مازال المناوى كما هو صحفياً قديراً ومهنياً، ولماحاً، ولا يحب إضاعة الفرص المهنية، لكنه حتى هذه اللحظة لم يبادر أو يتخذ وضع استعداد مهنى يتفاعل به مع قدوم البرادعى إلى القاهرة، هو أيضاً لم يحاول أن يلتقط البرادعى فى الخارج كما فعل غيره، منذ تفجر الجدل حوله بإعلانه قبوله المشروط الترشح للرئاسة. أعرف مثلما تعرف أن المشكلة هنا ليست فى المناوى تحديداً، وأنه مثل كل الإعلاميين والصحفيين المستقلين الذين «ندههم» الإعلام الحكومى، كان يعتقد أن تغيير شكل ومضمون هذا الخطاب، وتحويله من إطار حكومى إلى إطار قومى، مرهون به وبقدراته فحسب، لكن المشكلة أنه حين استوعب صعوبة كل ذلك، كانت مهنيته ومصداقيته كإعلامى تتراجع، بفعل إرادة سياسية طاغية، لا تعقل ولا تتدبر، وتصر على أن تمتلك كل مقومات صناعة الإعلام، إلا المصداقية والمشاهدة، وتصر على مخاطبة مشاهد واحد دون غيره، والدفاع عن مواقف محددة، والترويج لسياسات بعينها، وتجاهل كل ما دون ذلك، مهما كان تأثيره، واهتمام الرأى العام أو قطاع منه به. وأعرف أيضاً أن المناوى يجهز حالياً لمشروع طموح يهدف إلى إطلاق قناة إخبارية بمعايير جديدة، قناة تولدت الرغبة فيها، والإرادة السياسية وراءها، من هزيمة إعلامية ساحقة وحقيقية ولا أحد ينكرها، للإعلام المصرى أمام قناة عربية واحدة، أثناء حرب غزة، ويستعد لذلك بميزانية مفتوحة واستديوهات حديثة، ومكاتب فى جميع أنحاء العالم، وكوادر يسعى لاجتذابها من كل مكان، لكن هل يكفى كل ذلك، ليضمن لقناته وإعلامه مصداقية، والمشاهد يعرف أن أحداثاً مهمة تقع فى بلاده، ويراها على الهواء فى شاشات أخرى، ولا يراها فى التليفزيون الحكومى؟ عندما يشاهد الناس البرادعى طوال الأيام العشرة المقبلة على شاشات مصرية خاصة وعربية، يتحرك، ويشارك، ويحاور، ويناقش، ويجيب على أسئلة، ثم يفتشون عنه على شاشة الدولة، فيجدون المناوى يحاور محمود عباس أبومازن، أو الرئيس الرومانى، أو رئيس وزراء كوسوفا، وقتها ستزيد قناعتهم بأن أفضل وأصدق ما يمكن أن يشاهدوه على شاشة التليفزيون الحكومى، هى الإعلانات والمسلسلات وبرامج المنوعات.. وفقط..! [email protected]