كنت قد نشرت رسالة من الأستاذ سمير رياض، من المعادى، يقترح فيها فتح حساب باسم «مشروع الدكتور أحمد زويل»، يتلقى مساهمات المواطنين الراغبين فى أن يرى المشروع النور، فيقوم مشروع من هذا النوع بمساهماتهم، وتبرعاتهم، وتطوعهم، وليس بأى شىء آخر! كان صاحب الرسالة قد قال فيها، إنه متبرع بخمسة آلاف جنيه، فور فتح الحساب، وإنه يقترح أن يكون الحد الأدنى لمساهمة أى مواطن مائة جنيه! وقد سألنى مواطن آخر، كان قد قرأ الرسالة، عما سوف يفعله هو إذا كان لا يملك المائة جنيه فى جيبه، وإذا كان يريد فى الوقت ذاته أن يضع طوبة بيديه فى المشروع.. وسألنى أيضاً، عما سوف يفعله أبناؤه الصغار، إذا كان كل واحد منهم يريد أن يضع عشرة جنيهات من مصروفه فى المشروع؟! وحقيقة الأمر أن هذا المواطن على حق تماما، كما أن ما يقوله يتسق مع المنطق، ومع تفكير العقل السليم، بما يجعلنا نأخذ رسالة المعادى على العكس مما اقترح صاحبها، فيكون الحد الأقصى، وليس الأدنى، لمساهمة أى مواطن، مائة جنيه! فالمواطن.. أى مواطن.. إذا قرر أن يتبرع للمشروع فى أى وقت، فهو لا يفعل ذلك لكى يهان بين الناس.. وإلا.. فما هو شعور هذا الرجل الذى يريد أن يتبرع هو وأولاده بأقل من مائة جنيه، إذا راح يتلفت حوله، فيكتشف أن هناك من تبرع مثلاً بمائة ألف جنيه، وأن هناك من تبرع بمليون، أو حتى بعدة ملايين؟! وقتها، سوف يشعر هو، وأبناؤه، وأمثاله، بإهانة بالغة، وسوف يستشعر الحرج الشديد بينه وبين نفسه، وسوف يحس بالضآلة والعجز، إلى جانب صاحب المليون، أو الملايين، وسوف يرى أن مساهمته، رغم صدقها وحسن نيتها، لا تكاد تمثل شيئاً إلى جانب مساهمات أخرى ضخمة، وسوف لا يستطيع أصحابه، أو معارفه رؤية مساهمته بالعين المجردة! ولذلك، فمشروع زويل فى مصر إذا كان يراد له أن يكون عملاً أهلياً حقيقياً وخالصاً، فلابد أن تكون المساهمة فيه لها حد أقصى، لا أدنى، وأن يكون هذا الحد مائة جنيه، فيساهم فيه الملايين من أبناء البلد، ويصبح عملاً أهلياً بالمعنى الحقيقى لهذه الكلمة، ويكون لدى كل مواطن، من الثمانين مليوناً، إحساس عميق بأنه له نصيب فى المشروع، أياً كان حجم هذا النصيب، حتى ولو كان جنيهاً واحداً، بدلاً من أن يقوم المشروع على أكتاف عشرة أو مائة من القادرين وحدهم، ويكتشف سائر المواطنين، أنهم لا علاقة لهم بالمشروع، لأن الذين أنشأوه وساهموا فيه سوف يكونون، والحال كذلك، هم هؤلاء العشرة أو المائة فقط من القادرين فى المجتمع! ويستطيع أى قادر، وقتها، أن يدفع المائة جنيه المطلوبة منه، ثم يدفع باسم أولاده، وزوجته، وأسرته كلها، وكذلك موظفوه، من جيبه هو، إذا كان يريد أن يدفع أكثر، ويساهم بأكثر من المائة جنيه التى تخصه.. فالقصد ليس قطعاً إهانة الناس بوضع حد أدنى لا تستطيع غالبيتهم أن تصل إليه!.. وإنما القصد تكريم كل مواطن، من خلال إشعاره، حتى ولو كان فقيراً، بأنه قادر على أن يشارك ويساهم ويبنى فى بلده!