احتفلت إيران أمس الأول، السبت، ببدء تغذية قلب مفاعل بوشهر ب163 قضيباً من الوقود النووى المخصب فى روسيا تمهيدا لتشغيله، فى حضور مراقبين من الوكالة الدولية. ويعد هذا المفاعل، الذى تصل طاقته الإنتاجية من الكهرباء إلى 1000 ميجاوات، هو الأول من نوعه فى سلسلة مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، يبلغ عددها 20 مفاعلاً، تنوى إيران بناءها خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن المتوقع أن تستغرق عملية نقل الوقود النووى إلى مفاعل بوشهر عدة أيام، وأن تستغرق تجارب التشغيل عدة أسابيع ليصبح المفاعل جاهزا للعمل خلال شهرين. يجمع المراقبون على أن مفاعل بوشهر لا يشكل تهديدا لأحد، أو خروجاً على الالتزامات الدولية المنصوص عليها فى معاهدة حظر الانتشار النووى التى لاتزال إيران طرفاً فيها. ويعود الاطمئنان العالمى إلى سبب رئيسى وهو أن روسيا ستتمكن، بموجب البروتوكول المبرم بينها وبين إيران، من استعادة جميع قضبان الوقود المستنفذ حتى لا تستخدم فى أغراض أخرى. وفى سياق كهذا يصبح من المتعذر على أى طرف استخدام مفاعل بوشهر تحديدا كذريعة لشن هجوم مسلح على إيران. من المعروف أن شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوى، تعاقد عام 1974 مع شركة سيمونز على بناء مفاعل بوشهر، لكن الشركة الألمانية انسحبت عقب اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران وسقوط حكم الشاه. وتعين على جمهورية إيران الإسلامية الانتظار عشرين عاماً قبل أن تتمكن من التعاقد مع روسيا لاستكمال بناء هذا المفاعل وتزويده ب82 طناً من الوقود النووى، على أن تستعيد روسيا قضبان الوقود المستنفذ تأكيدا لنوايا إيران السلمية، غير أن روسيا لم تلتزم بمواعيد التسليم، وبدا واضحا أنها تحاول استخدام دورها فى بناء مفاعل بوشهر وسيلة للضغط على إيران لحملها على وقف برنامجها لتخصيب الوقود النووى. لكن ها هى إيران تنجح أخيرا فى حمل روسيا على المضى قدما فى تنفيذ التزاماتها لاستكمال بناء المفاعل دون أن تضطر إلى تقديم أى تنازل لوقف برنامجها النووى الذى يمضى فى عمليات التخصيب بوتيرة أسرع من ذى قبل وتمكن من الوصول إلى نسبة تخصيب 20%. لا أعتقد شخصيا أن إيران حريصة على امتلاك سلاح نووى، وهذه حقيقة يدركها الغرب جيدا، لكنها شديدة الحرص فى نفس الوقت على امتلاك كل أسرار المعرفة النووية التى لها استخدامات وتطبيقات علمية تتجاوز كثيرا مجال إنتاج الطاقة، وهو ما يصر الغرب على حرمانها من هذا الحق المشروع. لذا لاتزال احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران قائمة، بل قد تكون أقرب كثيرا مما يتصوره البعض. وقد أدلى جون بولتون، مندوب الولاياتالمتحدة السابق فى الأممالمتحدة، بتصريحات يحرض فيها إسرائيل على الإسراع بتوجيه ضربتها قبل الانتهاء من وضع القضبان فى قلب مفاعل بوشهر حتى لا يتأثر المدنيون بالإشعاع! نعم.. سجلت إيران هدفا مهما، ربما فى وقت قاتل كما يقولون، لكن المباراة لاتزال مستمرة ولم يعلن الحكم صافرة النهاية بعد. فهل يدرك العرب ما يجرى حولهم.. وهل اكتفوا بمقاعد المتفرجين أم أنهم مغلوبون على أمرهم ومضطرون لتشجيع الفريق الإسرائيلى -الأمريكى المشترك؟! أظن أنهم إن فعلوا - وهو ما لا أستبعده - سيكونون الأكثر ندما وسيدفعون ثمن الشغب والفوضى اللذين سيعمان كل المنطقة.