كيف يُصنع القرار فى مصر الآن ولصالح من؟ سؤال يلح على فى مناسبات مختلفة، وفى كل مرة يزداد شعورى بالقلق على المستقبل. وقد طالعتنا «المصرى اليوم» بخبر، نشر أمس الأول فى صدر صفحتها الأولى، نصه كالتالى: «قال مصدر حكومى مطلع إن الرئيس حسنى مبارك أبدى تأييده حسم اختيار موقع الضبعة لصالح إقامة أول محطة نووية، وأضاف أنه أثناء افتتاح الرئيس عددا من المشروعات أمس الأول قال للدكتور حسن يونس، وزير الكهرباء والطاقة: (أنا زرت فرنسا، ووجدت المحطات النووية بجوار المساكن، وهذا يرد على المتشككين من تأثير المحطات النووية على السكان)، فرد عليه الوزير: (أيوه يا فندم، المحطات النووية لا تؤثر على المساكن، والناس يستخدمون الشاطئ المجاور لها للاستجمام). وفسرت المصادر المطلعة كلام الرئيس لوزير الكهرباء بأنه «يعد تأييداً واضحاً لموقع الضبعة النووى الذى أثيرت ضده انتقادات حادة من رجال أعمال ومستثمرين تحت دعاوى أن الموقع له تأثيرات سلبية على المشروعات السياحية والمناطق السكنية المجاورة له». أدهشنى أن ينقل تصريح حول موضوع على هذه الدرجة من الأهمية، يدلى به رئيس الدولة فى مناسبة عامة، بطريقة ملتوية وغير مبررة على هذا النحو. فقد نقل الخبر فحوى حوار لم يسمعه أحد بين الرئيس وأحد وزرائه، وجاء منسوباً إلى «مصدر مطلع»، لم نعرف بالضبط هل هو وزارة الكهرباء، أم رئاسة الجمهورية. كنت أتمنى، لأسباب لا أظن أنها تخفى على فطنة القارئ، أن يدلى الرئيس بنفسه بهذا التصريح، وأن تنقله وسائل الإعلام صوتا وصورة على الهواء مباشرة. فنشره بهذه الطريقة، التى يسهل تكذيبها أو تحريفها، جعل الخبر يبدو كأنه مجرد «بالون اختبار»، خصوصاً أنه لا يحمل أى جديد حيث سبق نشر تصريحات تحمل نفس المعنى. لا يخفى على القارئ أن تطور الملف النووى فى مصر ملىء بمواجع كثيرة. فحتى وقت قريب بدا قرار إنشاء محطات نووية لتوليد الطاقة مرهونا بإرادة خارجية لا تستطيع مصر منها فكاكاً. ولولا تطور البرنامج النووى الإيرانى لما استطاعت مصر أن تحدث ثغرة فى جدار الرفض الخارجى، ويصبح الطريق أمامها مفتوحا للإعلان عام 2006 عن اعتزامها إنشاء ثلاث محطات نووية لتوليد الكهرباء. ولأن جميع الدراسات التمهيدية كانت جاهزة منذ سنوات ووقع اختيارها على الضبعة كأنسب موقع لإقامة هذه المحطات، فقد ساد الاعتقاد حينئذ بأن إشارة بدء إجراءات التنفيذ لن تتأخر كثيرا. والآن، وبعد مرور أربع سنوات على إعلان مدوٍّ، حرص النظام على أن يأتى على لسان جمال مبارك شخصياً وليس أحد غيره، تبين مرة أخرى أن مصر تجرى وراء سراب، وأن بلدا محشورا بين مطرقة الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فى الخارج، وسندان رجال الأعمال، فى الداخل، يسهل التضحية بمقومات أمنه الوطنى. لدى الأغلبية الساحقة من خبراء مصر المحترمين قناعة تامة بأن الأمر لم يعد يحتمل المزيد من الدراسات، وأن أصحاب المصلحة من رجال الأعمال يصرون على الاستيلاء على الضبعة ويراهنون على كسب الوقت. لذا من حقنا أن نتساءل عن كيفية صنع القرار فى مصر فى هذه المرحلة تحديدا، وعما إذا كانت هناك علاقة بين قضية الضبعة وما كشفت عنه صحيفة «المصرى اليوم» أمس من قيام الدكتور إبراهيم كامل، القيادى بالحزب الوطنى، وأكبر المعترضين على موقع الضبعة، بدفع مبلغ 2 مليون جنيه لتمويل حملة «ائتلاف دعم جمال مبارك».