لاتزال علاقة «الخارج» بقضية التغيير فى مصر ملتبسة. ورغم قناعة الأغلبية الساحقة من المصريين بأن النظام الحاكم لا يقيم أى وزن لتطلعاتهم وأحلامهم، وليس معنيا من قريب أو بعيد برأى «الداخل»، لأنه يعول على رضاء «الخارج» لتمرير «مشروعه للتوريث»، فإن اعتزاز الشعب المصرى بوطنيته واعتقاده الدفين بأن «الخارج» لا يريد لمصر خيراً ويسعى لإضعافها فى المنطقة كى تقوى إسرائيل وتتوحش، جعله يميل إلى الشك فيه بطبيعته. ولأن النظام الحاكم يدرك هذه الحقيقة تماماً، فمن الطبيعى أن يحاول استغلالها والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن، سواء للتغطية على العلاقة غير الصحية التى تربطه بالولاياتالمتحدة وإسرائيل أو لتشويه سمعة كل من له صلة أو قدرة على الاتصال بالخارج، مَنْ يُعتقد أنهم يشكلون خطراً محتملاً عليه. فإذا أضفنا إلى ذلك أن بعض القوى المصرية التى لا يشك أحد فى وطنيتها كثيرا لديها ميل طبيعى لتوجيه تهمة «الاستقواء بالخارج» كوسيلة تعتقد أنها فعَّالة لإضعاف خصومها السياسيين، حتى من داخل صفوف المعارضة، لأدركنا إلى أى مدى يسهل على النظام الحاكم إيجاد بيئة مواتية تماما للظهور بمظهر المدافع الأوحد عن سيادة مصر واستقلالها فى مواجهة الخارج المتربص بها وبمصالحها الوطنية. دليلنا على ذلك أنه يسعى جاهدا للتنصل من كل مسؤولياته لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات القادمة، ويرفض قبول أى نوع من الرقابة الدولية التى يصر على تصويرها بأنها تشكل تدخلاً مرفوضاً فى شؤون مصر الداخلية واعتداء على سيادتها! يلفت الانتباه هنا أن «الخارج» استخدم وسيلة للهجوم على الدكتور البرادعى من أكثر من زاوية: فإقامته الطويلة فى «الخارج» جعلته بعيداً عن مشاكل المصريين وهمومهم الحقيقية التى لا يعرفها.. وزياراته للمدن وعواصم الأقاليم صُوّرت على أنها زيارات «سياحية» لرجل لايزال يقضى أغلب أوقاته فى الخارج.. وزياراته إلى الولاياتالمتحدة أو لبعض الدول الأوروبية لإلقاء محاضرات أو للمشاركة فى مؤتمرات أو مناسبات عامة، ولقاؤه الأخير فى مصر بالسفيرة الأمريكية وبمجموعة من سفراء الدول الأوروبية صورت على أنها تحركات تندرج فى إطار محاولات «الاستقواء بالخارج»، بل إن بعض المروجين للنظام لم يترددوا فى التحذير من مغبة وخطورة تكرار النموذج العراقى فى مصر! فى سياق كهذا، أظن أنه بات على القوى الراغبة فى التغيير أن تكون أشد حرصاً فى تناولها هذه المسألة الحساسة لدى الشعب المصرى، وأن تمتنع عن تقديم أسلحة مجانية للنظام، فالكل يعلم أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل، اللتين لم يتردد أحد المقربين من النظام فى الاعتراف بدورهما المهم فى اختيار الرئيس القادم، لن تتخليا بسهولة عن النظام الحاكم فى مصر وستلقيان بثقلهما الكامل وراء مشروع التوريث، الذى لن تتخليا عنه مطلقاً إلا فى حالة واحدة وهى الاقتناع بأن الإصرار على فرضه سيصبح أحد الأسباب الرئيسية فى التعجيل بالانفجار الذى يتوقعه الجميع. لقد آن الأوان أن يدرك الجميع أن الرقابة الدولية على الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة ليست تدخلاً فى شؤون مصر الداخلية، وأن المطالبة بها ليست خيانة أو محاولة للاستقواء بالخارج، بل هى ضرورة وطنية!