أكد المحلل السياسى الأمريكى ستيفين كوك، المتخصص فى شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى أن مصر تستطيع التغيير، مشيراً إلى أنها تغيرت إلى الأفضل على مدار الثلاثة عقود الماضية. وأوضح أن مصر تغيرت فى يوليو 1952 عندما أطاح الضباط الأحرار بالملك فاروق من العرش. وقال، فى تحليله، الذى نشرته مجلة فورين بوليسى فى عددها الأخير تحت عنون: «هل يمكن أن تتغير مصر؟ المؤسسات السياسية تحتاج للإصلاح». إن الضباط الأحرار وجهوا جهودهم المبدئية بعد ذلك لإصلاح النظام البرلمانى المصرى فى سبيل إقامة نظام سياسى جديد تماما. وأضاف أن مصر تغيرت فى 1970 عندما جاء أنور السادات خلفا لجمال عبد الناصر، حيث تركز السلطات بيد الدولة فضلا عن حركة عدم الانحياز مع السوفيت، والقومية العربية والحرب مع إسرائيل، منبها إلى أن التغيير جاء فى أكتوبر 1981 مع اغتيال السادات. وأشار إلى أن مبارك أظهر «اختلافا» مقارنة بسلفيه حيث اعتمد على سياسة التحرير الاقتصادى، التى اتبعها السادات أو «الانفتاح» وأعاد القاهرة إلى المسار العربى (بينما لم يتبرأ من اتفاقية السلام، التى عقدها السادات مع إسرائيل) واحتفظ بمسافة قريبة مع واشنطن، فى الوقت الذى استمر فى تأمين منحها. وأكد الكاتب أنه بخلاف القضايا الكبرى المتعلقة بالسياسة الخارجية والتوجه الأيديولوجى، كانت هناك تغيرات اجتماعية واقتصادية فى مصر أقل. وقال: عندما تولى مبارك منصب الرئاسة فى 14 أكتوبر 1981، كان عدد السكان قد بلغ 45.5 مليون نسمة أو أكثر قليلا من نصف عدد السكان اليوم، مشيرا إلى أن إجمالى الناتج المحلى فى مصر اقترب من 40 مليار دولار، بينما يزيد اليوم على 145 مليار دولار. وأضاف الكاتب أنه كان هناك 430 ألف خط تليفون فى جميع أنحاء البلاد، ولكن يوجد اليوم نحو 11 مليون خط. وتابع: «كان متوسط عمر الفرد 57 عاما والذى ارتفع اليوم إلى 70»، مستطرداً بأن البنك الدولى ذكر فى تقاريره أن معدل القدرة على الكتابة والقراءة كان أقل من 50% عام 1981 ولكنه بلغ الآن 66% من المصريين الذين يستطيعون القراءة. ونبه إلى أن الحياة فى مصر تغيرت بشكل جذرى، من خلال حزمة من الإجراءات، إلى الأفضل فى غضون ما يزيد على ثلاثة عقود. واستدرك الكاتب: «بما أن كل شىء يبدو على أتم حال، فلماذا أشعر بسوء الأوضاع، حتى مع جميع التغيرات الاجتماعية - الاقتصادية المهمة التى حدثت». قائلا إن مصر اليوم تبدو نظريا - وإلى حد كبير أشبه بالبلاد التى تبوأها الضباط الأحرار منذ 58 عاما مضت - «فقيرة، تعتمد على القوة العالمية، واستبدادية». وأوضح أن ناصر ورفاقه قاموا بتطوير مجموعة من المؤسسات السياسية والقواعد واللوائح والقوانين، ردا على التحديات السياسية التى واجهوها خلال تدعيم نفوذهم فى الشهور التالية «لانقلاب» يوليو 1952. ووصف الكاتب هذه القواعد واللوائح والقوانين بأنها كانت مضادة للديمقراطية وأنه تم التلاعب بها كى تخدم مصالح الضباط الأحرار وحلفائهم المدنيين وشكلت، لاحقا، أساسا لتنمية المؤسسات. ونبه إلى أن من استفادوا من هذا النظام السياسى، ومنهم مفكرو النظام الحاكم والبيروقراطية وأجهزة الأمن الداخلى وشركات البيزنس الكبرى (بعد الانفتاح فى 1974)، شكلوا دائرة من «أنصار الاستبداد». وتوقع الكاتب، أن يظل التغيير المؤسسى اللازم لنظام سياسى أكثر ديمقراطية وانفتاحا، أمرا مستبعدا. طالما بقيت «الرفاهية الجماعية لتلك الفئات لصيقة بالنظام الحاكم». وربط الكاتب بين هذا السبب وعدم نية «الفكر الجديد» بالحزب الوطنى الديمقراطى لأن يحقق أى شىء بخلاف إصباغ «المؤسسية» على نفوذ الحزب الحاكم تحت غطاء التغيير السياسى. وأكد أن الإصلاح «يتضارب مع الرأى العالمى والمصالح المادية لدى قيادات مصر ودوائرهم الانتخابية». وأكد الكاتب أن الأمر لا يقتصر على المؤسسات الرسمية بالدولة فحسب، ولكن سلسلة كاملة من القواعد «غير المكتوبة» التى تشكل الطريقة التى يحسب بها المصريون ما يصب فى مصلحتهم الأفضل. وأشار إلى أن المجتمع المصرى يكاد يكون «متفرداً» بهذا الاتجاه، ولكنه يوحى ببعض الأفكار نحو التغيير ومقاومة مصر الظاهرة له. وأوضح أن هناك ميلاً لدى بعض المهنيين الشباب من ذوى الأفكار الإصلاحية كى يرموا بسهمهم مع النظام الحاكم، رغم الرغبة المؤكدة فى تحقيق تحول جوهرى للسياسة والمجتمع المصرى. ونبه إلى أن الاحتجاجات تنامت بشأن الرغبة فى تحقيق التغيير من داخل جهاز الدولة، ولكن الواقع هو أن النظام الحاكم المصرى يظهر كنظام سلطوى يتبع سياسة الثواب والعقاب التى تشجع على تدابير التوافق السياسى لمن لا يرغبون فى «المجازفة» مع أجهزة الأمن الداخلية «المتفاخرة». وخلص الكاتب إلى أن «التغيير المؤسسى أمر نادر»، مرجعا السبب إلى أنه «صعب ودائما ما يقترن بنوع من اختلال التوازن والهزيمة فى الحرب والثورة والانهيار الاقتصادى». واستدرك بأن هناك بعض الأشياء التى يستطيع أطراف خارجية تحقيقها خاصة فى سياق «التوريث الوشيك» فى مصر، حيث واشنطن أوضحت أنها فى جانب الشفافية والانتخابات الحرة والنزيهة واللاعنف، وذلك عندما «يقطع مبارك رحلته الأخيرة على طول النيل». ونبه الكاتب أن إعلانات المبادئ هذه تفصح بالمزيد عن الولاياتالمتحدة، أكثر من احتمال سيطرتها على تفكير الزعيم الجديد فى مصر الذى سوف يسعى إلى تدعيم قبضته على السلطة ومن ثم يعتمد على الفئات نفسها الذين لديهم مصلحة «ملزمة» فى الإبقاء على الوضع الراهن.