الإسكندرية التى غنت فيروز لها، وعلى شواطئها دق عبدالحليم حافظ «الشماسى»، لم تكن فقط «مارية وترابها زعفران» لكنها قبلة المصطافين الغلابة بشكل عام، يهربون إليها من حرارة المدن الداخلية، ويلجأون لشواطئها منخفضة الأسعار بعد أن أصبح «المصيف» فى مناطق أخرى حلماً لا يناله إلا «المحظوظون». لماذا الإسكندرية؟.. كان هذا هو السؤال الأساسى الذى أجاب عنه مريدو البحر السكندرى من جميع الفئات، ولكل منهم فى بلاد الإسكندر المقدونى «غية» وهدف. بعض المصيفين يرون أن «الإسكندرية» «مصيف رخيص على قد حالنا.. بناكل وبنشرب بنفس أسعار القاهرة تقريباً» الأمر الذى انعكس على شكل وطبيعة المصايف، إذ تستمر الحياة على الشاطئ طوال 24 ساعة. ورغم الأسعار المتوسطة بشكل عام فى غالبية شواطئ الثغر فإن الظروف الاقتصادية بدت واضحة على طريقة «التصييف» هذا العام. فعشرات المصطافين افترشوا البطاطين والملاءات على رمل المسافات الفارغة بين شواطئ مدينة الإسكندرية أو احتموا بالشواطئ المجانية. من هؤلاء مصطفى إمام الذى جاء مع زوجته وشقيقها وأبنائه الأربعة وقد أخذوا من شاطئ ميامى المجانى مكاناً لقضاء ليلتهم. «كلها ساعتين وتطلع الشمس وننزل المية».. هكذا تحدث مصطفى وأضاف: «الناس كلها صاحية ومحدش بينام وقلت آجى هنا أنا والمدام والعيال، ونقضى يومين مصيف نستمتع على قد حالنا». وتابع رب الأسرة: «جبت معايا بطاطين، وملايات وفرشنا فرشة على الشط هنا، وسترنا نفسنا ببطانية تانية عشان بالليل البحر بيحدف برد، وجبنا (استوفة) عشان الشاى وتسخين الأكل والذى منه، والدنيا ماشية، لو جعنا بنجيب فول وفلافل وكشرى من المحلات، ولو اتبقى حاجة بنسخنها وأدينا برضه بنصيف وننزل البحر وننبسط». تتولى أم محمد، زوجة مصطفى، مهام متابعة الأولاد، وحراسة «الفرشة» التى ينامون عليها لمدة ساعتين تسند فيها رأسها على سور الكورنيش من ناحية الشاطئ وتغطى صغارها الذين دفعوا الغطاء بأرجلهم أثناء نومهم دون أن يشعرون خوفاً عليهم من لسعة البرد الليلية، أحياناً تأخذها غفلة من النوم لكنها سرعان ما تفيق مرة أخرى لتكمل نوبة الحراسة، وبعد أن تنتهى هذه المدة توقظ زوجها مصطفى ليظل مستيقظاً ساعتين هو الآخر، فى مناوبات حراسة على شاطئ الإسكندرية. هذا هو حال الكثير على الشاطئ كما أكد مصطفى وقال: «هنا مافيش إحراج.. ده شط مجانى وكلنا زى بعض على باب الله، آه فقرا بس مش هانسيب نفسنا نموت من الحر.. كلنا مصممين ناخد حقنا من المتعة ولو قليلة، ولو على الأرض زى ما احنا كده». مصطفى لم يكن وحده، فعلى شواطئ منطقة جليم ومظلوم العامة استغل بعض المصيفين منطقة مرسى مراكب الصيد وجعلوا من المراكب مأوى لهم، حيث وضعوا فوق كل مركب وآخر ملاءة ناموا تحتها أحياناً تغرقهم المياه عندما تندفع وأحيانا أخرى تطير تلك الأسقف القماشية من شدة الهواء. المشكلة الوحيدة تكمن فى عدم اهتمام المسؤولين بالشواطئ المجانية لأنها شواطئ الفقراء هكذا تحدث إسلام عويس، أحد المصطافين على شاطئ العصافرة المجانى، قائلاً: «لا يوجد أى اهتمام من مسؤولى المحافظة بهذه الشواطئ فلا مياه للشرب ولا حتى حمامات لنستحم ونغير ملابسنا بعد خروجنا من المياه، حيث يوجد مكان واحد به ثلاث حنفيات للمياه هى مكان الدش العمومى على الشاطئ بها نغتسل ومنها نشرب، والمسؤولون يعرفون أن هذه المياه لا تصلح للشرب إلا أن شدة الحرارة وملوحة مياة البحر تجعلنا مضطرين لشربها». وأضاف: «أما عن دورات المياه فلم أر هنا أى دورات مياه لذلك نذهب إلى الكافتيريات القريبة من الشاطئ لقضاء حاجتنا». أما عن أسعار الجلوس على الشاطئ فقال: «هناك من يحضر معه بعض الملاءات وعصى طويلة ويقيم خيمة على الشاطئ هذه الخيمة مغطاة من جميع الجوانب حتى تقوم النساء والرجال بتغيير ملابسهم فيها بدلاً من الوقوف لأكثر من ساعتين على حجرة تغيير الملابس بالشاطئ التى ليس بها سوى مكانين أحدهما للنساء والآخر للرجال. وهناك من يأتى دون أن يحضر معه هذه الملاءات فيضطر إلى الوقوف فى طابور طويل للحصول على شمسية وترابيزة و4 كراسى ويتراوح سعرها بين 10 و12 جنيهاً والسعر يحدده مسؤول الشاطئ».