أكد عدد من أصدقاء المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد، وزملائه فى العمل الذين رافقوه فى منفاه فى هولندا بعد الحكم الشهير بردته والتفريق بينه وبين زوجته الدكتور ابتهال يونس، أنهم لم ينسوا ال 15 عاماً التى قضاها معهم، حيث عمل أستاذا فى جامعة «لايدن» العريقة، وجامعة «أوترخت» الإنسانية، كما حاضر كأستاذ زائر فى العديد من الجامعات، وحضر الكثير من الندوات والمحاضرات الثقافية واللقاءات الإعلامية التى عقدت هناك. قال رئيس قسم الدراسات الإسلامية السابق فى جامعة «لايدن» الدكتور «فان كونجسفيلد»، الذى عاصره منذ لحظة وصوله: «عندما جاء أبوزيد إلى هولندا بعد قضيته الشهيرة فى مصر، بناء على دعوة من وزارة الخارجية الهولندية، كنت متوجساً منه فى البداية، لأنى كنت أظنه على شاكلة كثيرين تستدعيهم الحكومة الهولندية ليقولوا ما تراه مناسباً فى مخاطبة الجالية الإسلامية فى هولندا». وأضاف كونجسفيلد فى تصريحات ل «المصرى اليوم»: «لكن بعد مرور سنة تقريباً تأكد لى أن الرجل أسمى وأكبر مما كنت أظن، وأكبر من أن يستغل، لأنه صاحب فكر حر وقناعة علمية رصينة لا يحيد عنها، عندئذ أكبرت فيه فكره وثقافته، إلى جانب أنه لم يطلب اللجوء السياسى فى هولندا، ولم يطلب الجنسية، وكان باستطاعته الحصول عليها بكل سهولة، لكنه آثر الاحتفاظ بجنسيته المصرية، وما زاد من تقديرى واحترامى له أننى وجدته حليماً يتقبل الآراء والأفكار المعارضة له بكل أريحية، مع أنه كان أستاذا للعديد من الطلبة من جنسيات وأديان مختلفة». وقال الأستاذ المساعد فى الجامعة الدكتور عمرو رياض، مصرى الجنسية وكان تلميذاً لأبوزيد الذى توفى فى 5 يوليو الجارى عن عمر يناهز 67 عاماً: «يوم وصولى هولندا فى 27 أغسطس 1999 أنا وأحد زملائى لدراسة الماجستير، أبلغتنا سكرتيرة الجامعة أن الدكتور أبوزيد ينتظرنا فى الغرفة المجاورة، فى البداية تخوفت نتيجة الحملة الهائلة التى كانت تشن عليه فى مصر، ولأننى لم أكن اطلعت بعد على أبحاثه، لكنه ما إن سلم علىّ وعلى زميلى حتى أعطى كل منا 100 جيلدر - عملة هولندا - وعندما اعترضنا قال اعتبروها ديناً عليكما حتى تأتيكما المنحة، ومرت الأيام وتعرفنا عليه عن قرب فاكتشفنا فيه طيبة المصرى المتواضع الشهم الكريم». وأضاف رياض: «بعد ذلك قرأت كتبه فاستمتعت بفكره الإصلاحى الذى هو امتداد لفكر جمال الدين الأفغانى، والإمام محمد عبده، والشيخ محمود شلتوت، والدكتور طه حسين، وغيرهم من الأفذاذ الذين عرفناهم فى هولندا، ولم نطلع عليهم فى الأزهر للأسف الشديد». وأكد رياض أنه كان دائما يرى أبوزيد مؤمناً صادقاً، وكان يستضيف الطلبة المصريين فى بيته فى شهر رمضان سنوياً، وكانت زوجته الدكتورة ابتهال يونس تطبخ لهم الأكلات المصرية بنفسها، وأضاف: «أخبرنى ذات مرة أنه رفض طلب القاضى فى ساحة المحكمة أن ينطق بالشهادة ليثبت إيمانه وتنتهى القضية، وبرر موقفه بأنه لو فعل ذلك لأوحى بأنه لم يكن من قبل مؤمناً». وتابع رياض أن أبوزيد ما إن وطأت قدماه أرض ألمانيا بعد القضية مباشرة، وقبل أن يبدأ محاضرته فى قاعة مسرح كبير حضرها الآلاف، حتى استهل كلامه بشهادة أن لا إله إلا الله، وسط دهشة الحاضرين، معلنا للجميع أنه يعلنها على الملأ أنه مازال مؤمناً بالله ولا ينتظر حكما قضائياً لإثبات ذلك. وقال الدكتور هاشم فياض من الجالية العراقية فى هولندا، إنه تعرف على أبوزيد أولاً من خلال كتاباته فى مجال الفكر الإسلامى، واصفاً إياه بأنه من المفكرين العرب البارزين فى التراث العربى والإسلامى برؤية فلسفية ومنهج عقلانى متوازن. وأضاف فياض أن أبوزيد كان أستاذاً جامعياً لامعاً تميز بالبساطة والتواضع، وكانت علاقته بالوسط الجامعى ومعارفه حميمة، معتبراً أن رحيله الذى وصفه بأنه مبكر، يشكل خسارة كبيرة لا تعوض للوسط الأكاديمى ومراكز الأبحاث الفكرية، نافياً أن يكون أبوزيد - بحكم معرفته القريبة به - طالباً للشهرة «كما تدعى بعض الأوساط المتخلفة التى لا تتحمل الاختلاف والتى تؤمن بالسير وفق قوالب جامدة»، مشيراً إلى أنه كان «ينشد تحديث الفكر الإسلامى كى يلائم العصر، لأن الحياة تتطور وما كان صالحاً من النصوص لزمن، يمكن ألا يكون صالحا لزمن آخر».