تعد الموارد الطبيعية هى العامل الأول والأهم الذى يقود السياسة الخارجية الصينية خلال ال10 أعوام الماضية، إذ تسعى بكين لتأمين حصولها على جميع الخامات التى تتيح لنموها الاقتصادى المتصاعد أن يستمر فى ظل قصور موارد البلاد المحلية عن توفير احتياجات الآلة الصناعية الصينية الضخمة. فالصين استثمرت حوالى 355 مليار دولار فى الموارد الطبيعية خلال ال5 سنوات الأخيرة مثلاً، وتأتى أفريقيا فى صدارة أماكن الاستثمار الصينية ب62.2 مليار تليها أمريكا الجنوبية ب59 ملياراً، ثم أستراليا ب55 ملياراً والشرق الأوسط ب99 ملياراً. ولاشك أن التمدد الصينى الكبير فى أفريقيا يعكس رؤيتها من قبل بكين على أنها أرض ثروات وفراغ فى آن واحد، حيث تحتوى القارة السمراء على غالبية أنواع الموارد الطبيعية فى العالم، كما يغيب فى الكثير من دولها الوجود الأمريكى الحقيقى (مقابل وجود فرنسى أو حتى برتغالى أو إسبانى) بما يجعلها مكاناً ملائما لسياسة الصين فى «الصعود التدريجى» دون الدخول فى مواجهات حول النفوذ أو حول أى شىء آخر مع الولاياتالمتحدة. إلا أن الشغف الصينى للحصول على الموارد الطبيعية بدأ يتسبب فى انتقادات متعددة لبكين لعل أبرزها أنها أصبحت القوة العالمية التى تحمى الديكتاتورية، وأنها تقمصت دور الولاياتالمتحدة التى تنتقد الديكتاتورية بشتى الصور، غير أن أغلب الدول الحليفة لها دول ديكتاتورية. وفى تقرير لها، أشارت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إلى أن الصين لديها العديد من الأصدقاء الذين «يدعون للخجل»، مشيرة إلى الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد الذى تحوم الشكوك حول شرعية انتخابه، والرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز الذى مدد فترات الرئاسة لنفسه بلا نهاية، وغيرهما من الرؤساء الذين يقيمون ديكتاتوريات فى بلدانهم. ووصل الأمر ببعض الاقتصاديين إلى القول بأن الصين «تغتصب» أفريقيا، حيث أقامت خلال ال15 عاماً الأخيرة تحالفاً واسعاً تقوم وظيفته الأساسية على منع قيام دول قوية فى أفريقيا، بما يضمن استمرار حالة «الدول الفاشلة» ويجعل حصول الصين على الموارد الطبيعية أيسر وأرخص أيضاً، حتى إن «فورين بوليسى» تقول فى تقرير لها «إنه فى الوقت الذى تنشغل فيه الولاياتالمتحدة وأوروبا بالحديث حول الديمقراطية والشفافية تنشغل الصين على الجانب الآخر ببناء الطرق لنقل المواد الخام وبناء مساكن لقضاء العطلات للطغاة». وهناك 5 دول تشكل حجر الزاوية فى الاستراتيجية الصينية وهى البرازيل وكازاخستان ونيجيريا وفنزويلا وجنوب أفريقيا، حيث قامت الصين بالتحالف مع تلك الدول فى الفترة التى أعقبت الحرب الباردة واستمرت فى توثيق علاقتها بتلك الدول (وغيرها) حتى الآن، ويلاحظ أن جميع تلك الدول من بقايا الكتلة السوفيتية فى الحرب الباردة، غير أن الصين قررت الاعتماد على المزايا الاقتصادية، بدلاً من الفكرة الأمنية. ولا تقتصر مزايا هذا التحالف على الموارد الطبيعية فحسب، ولكن مالاوى مثلاً قررت أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وذلك للحصول على مساعدة اقتصادية تقدر ب6 مليارات دولار، بينما تحصل السنغال على 600 مليار دولار سنوياً نتيجة لقطعها العلاقات مع تايبيه أيضاً، كما قامت تشاد بالمثل بعد سلسلة من اللقاءات السرية مع مسؤولين صينيين، حتى إن 4 دول أفريقية فقط تعترف بتايوان وهى بوركينا فاسو وجامبيا وملكة سوزلاند وثاتومب وهى دول صغيرة للغاية بل تمكنت الصين من أن تقلص الدول المعترفة بتايوان على مستوى العالم من 68 إلى 23 بل إن بعض الدول التى تعترف بتايوان تتردد كثيراً فى تدعيم الروابط معها. ويرى كثيرون أن الصراع الحالى ليس حول الموارد الطبيعية فقط، ولكن حول النموذج الذى تحتذيه الدول، إذ ترغب بكين فى أن تتحول الدول المختلفة عن النموذج الغربى القائم على تعظيم حقوق الإنسان والتنوع، فعلى الرغم من أن الصين تشهد حكم الحزب الواحد فإنها فى الوقت نفسه تشهد النمو الأكبر والأكثر استقراراً فى العالم. وتهدف الصين وفقاً لروبرت كاجان الكاتب الكبير فى «واشنطن بوست» من خلال نشر الديكتاتوريات حول العالم وتدعيمها إلى تجنب حصول «حصار غربى» حولها من خلال انتشار الديمقراطيات من حولها، مما سيجعل الغرب يزيد من ضغوطه عليها للتغير إلى دولة أكثر ديمقراطية، خلال الفترة المقبلة. وتستخدم الصين أسلوبين فى الاستثمارات التى تشرف عليها الدولة الصينية وغالباً ما تتمحور حول النفط والحديد، والاستثمارات التى يقوم بها رجال الأعمال الصينيون وتكون فى الصناعات المختلفة، وعلى الرغم من أن رجال الأعمال الصينيين يذهبون إلى البلدان النامية بصفتهم المنفردة فإنهم يحققون مصلحة بلادهم التى توجههم للاستثمار فى دول معينة ومجالات محددة من خلال استثماراتهم. ولعل دولة الجابون تشكل مثالاً واضحاً على تحالف الصين مع ديكتاتوريات، فالصين ركزت على التحالف مع نظام الرئيس عمر بونجو، الذى أجرى توريثاً للحكم مؤخراً، من خلال الاستثمارات لتتحول تدريجياً إلى الشريك الاقتصادى الأكبر للبلاد، بدلاً من فرنساوالولاياتالمتحدة، حتى إن لبكين تواجداً واضحاً فى العديد من شوارع البلاد حيث ترتفع صور الرئيس الصينى هوجينتاو فى بعضها، وذلك بعد أن أنفقت الصين قرابة المليار دولار على إقامة طرق توصل الموانئ بأماكن التعدين هناك.