يجد خبراء علم الجريمة صعوبة بالغة فى جمع المعلومات عن عمليات القتل الجماعى العشوائى لتفسير أسباب كل جريمة بمفردها، لأن أغلبية مرتكبى هذا النوع من الجرائم ينتحرون عقب تنفيذها مباشرة، ومن يبقى منهم على قيد الحياة عادة يلتزم الصمت، لأنه يعلم أن المصير المحتوم هو الإعدام. إلا أن الخبراء وضعوا مجموعة من الدوافع والعوامل التى تؤدى لارتكاب هذه الجرائم، لكنهم يؤكدون أن توقع حدوثها يكاد يكون مستحيلا. ويرى مارك سافريك، وهو عميل سابق فى وحدة تحليل السلوك بالمباحث الفيدرالية الأمريكية (إف.بى.آى)، فى حديث لشبكة «سى.إن.بى.سى» الإخبارية أن جرائم القتل العشوائى، التى بلغ عددها فى الولاياتالمتحدة 900 جريمة بين عامى 1976 و2008، هى «حدث كارثى ينطلق من غضب انتحارى وعادة لا يمكن أن تراه قادما». ويؤكد الكاتب والأكاديمى الأمريكى مايكل كيلهر فى كتاب «القتل الجماعى الأمريكى» أن الانتقام هو الدافع الأهم والأكثر انتشارا لارتكاب هذه النوعية من الجرائم. ويشير «كيلهر» إلى دافيد بورك الذى كان موظفا فى إحدى شركات الطيران، وبعد طرده من عمله صعد على متن إحدى الطائرات خلف رئيسه وبدأ فى إطلاق النيران خلال التحليق ما أدى إلى تحطم الطائرة ومقتل 43 كانوا على متنها فى ديسمبر عام 1987. ويوضح الأخوان رونالد وستيفن هولمز فى كتاب بعنوان «القتل الجماعى فى الولاياتالمتحدة» أن أغلبية مرتكبى جرائم القتل العشوائى فى أماكن العمل غالبا ما يكونون فى أواخر العقد الثالث من أعمارهم، وعادة ما يشعرون بعزلة اجتماعية وتكون النقطة المضيئة الوحيدة فى حياتهم هى الوظيفة، وبمجرد خسارتها يتملكهم إحساس بأنه لا يمكنهم البدء مجددا ويقررون الانتحار ولكن ليس قبل الانتقام ممن يعتبرونه مسؤولا عن فشلهم. ويعتبر جاك ليفن، أستاذ علم الاجتماع والجريمة فى جامعة نورث إيسترن بولاية ماساسوشوتس والذى شارك فى تأليف أكثر من 28 كتاباً عن جرائم القتل العشوائية والمتسلسلة، أن الغضب يأتى فى قائمة الدوافع التى تؤدى إلى القتل العشوائى. ويضرب ليفن فى تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» مثلاً بمقتل 13 شخصاً فى مركز للمهاجرين فى نيويورك فى أبريل 2009 على يد مهاجر من أصول آسيوية يدعى جيفرلى وونج، انتحر بعد تنفيذ جريمته. ويقول «ليفن» إن سبب ارتكاب وونج، للجريمة كان واضحا بعد أن تم طرده من عمله فى أحد المصانع، ولكن اختياره مركز المهاجرين لتنفيذها كان غير منطقى إلى أن ظهرت معلومات جديدة. ويوضح «ليفن» أنه علم بعد ذلك أن القاتل حصل على دروس فى اللغة الانجليزية فى ذلك المركز وأن سبب طرده من العمل كان ضعف لغته ولذلك حمل وونج المركز مسؤولية فشله ونفذ جريمته هناك للانتقام. مرتكبو جرائم القتل المتسلسل يقتلون لدوافع سادية ويرغبون فى استمرار جرائمهم ويحرصون على عدم القبض عليهم، أما مرتكبو جرائم القتل العشوائى فهم يعتبرون أن موتهم نهاية حتمية ويرغبون فى أن يحصدوا معهم أكبر عدد ممكن من الأرواح، وذلك بحسب جايمس آلان فوكس، أستاذ القانون وعلم الجريمة، مؤلف كتاب «شرح القتل الجماعى والمتسلسل». ويعتبر «فوكس» أن الشعور بالإذلال يخلق جوا من الكراهية والعدائية تدفع إلى ارتكاب هذه الجرائم للشعور بالنصر واسترداد الكرامة، حتى وإن كان هذا الشعور لا يستمر إلا لثوان قليلة، لأن أغلبية مرتكبى هذه الجرائم ينتحرون عقب تنفيذها مباشرة. ويقسم «فوكس» مرتكبى جرائم القتل العشوائى فى كتابه إلى نوعين. الأول: شخص غاضب من شخص آخر فيقوم يقتله هو ومن حوله، أو شخص غاضب من مكان فيقتل الموجودين فيه مثل مرتكب مذبحة جامعة فيرجينيا الشهيرة التى راح ضحيتها حوالى 30 شخصا فى أبريل 2007. ويشير «فوكس» إلى أن أغلبية مرتكبى جرائم القتل الجماعى هم من الرجال بنسبة تصل إلى 93%. لأن النساء عادة يوجهن اللوم إلى أنفسهن فتكون النتيجة الانتحار، أما الرجال فهم يميلون إلى تحميل الآخرين مسؤولية فشلهم. كما أن أغلبية النساء ترى العنف وسيلة للدفاع عن أنفسهن أما العنف بالنسبة للرجال فهو سلاح هجومى لإظهار قوتهم. أفلام العنف والأخبار الدموية تعد من أهم العوامل الخارجية المساعدة التى تدفع إلى ارتكاب جرائم القتل العشوائى، حسب خبراء علم الجريمة. ويقول الباحثان ريد مولى وانطونى هيمبيل، فى دراسة حول مرتكبى جرائم القتل العشوائى نشرت فى مجلة علمية تابعة للأكاديمية الأمريكية لطب النفس الخاصة بالأطفال والمراهقين أن كثيراً من المراهقين الذين ارتكبوا تلك الجرائم، أشاروا خلال التحقيقات إلى أفلام عنف مثل «ناتشرال بورن كيلرز» أو قتلة بالفطرة للمخرج أوليفر ستون (إنتاج 1994). ويشير الباحثان إلى انتشار جرائم القتل العشوائى بصورة خطيرة بين المراهقين فى المدارس الأمريكية بنسبة كبيرة، خلافا لباقى الدول حول العالم، حيث بلغ عدد حوادث القتل العشوائى فى المدارس الأمريكية 340 جريمة منذ عام 1992 حتى الآن. ويوضح الباحثان أن التقليد يصبح نتيجة متوقعة بعد عرض القتل والانتحار والتفجيرات علانية فى الإعلام. ويضرب الباحثان مثلا بجايمس ويلسون، الذى أطلق النيران على عدد من الأطفال فى مدرسة جرين وود بولاية كارولينا الجنوبية فى سبتمبر عام 1988، وذلك بعد 4 أشهر فقط من مشاهدة صورة على غلاف مجلة «بيبول» الأمريكية الشهيرة لامرأة تدعى لورى دان، نفذت جريمة مشابهة داخل مدرسة فى وينتكا بولاية إيلينوى ثم انتحرت. ويرى الباحثان أن مستقبل منع جرائم القتل الجماعية العشوائية يبدو مظلما. فطالما أن ثقافة الأسلحة النارية منتشرة يظل القتل سهلا، ومع وجود وسائل الإعلام ستظهر نماذج لعمليات قتل يمكن محاكاتها.