كيف نكرم الراحل نصر أبوزيد؟.. كيف نرد اعتبار من مات بفيروس التكفير منفياً داخل الوطن؟.. كيف نحقق حلم أبوزيد فى وطن يحترم العقل والفكر ولا يعيش أسير النقل والكفر؟.. علينا أن نكفكف الدموع، ونعيد قراءة نصر أبوزيد، ونصدر أعماله الكاملة من هيئة الكتاب ومكتبة الأسرة، فهذا هو عزاؤه وتكريمه الحقيقى. شخَّص أبوزيد أمراض وفيروسات وآليات الخطاب الدينى المعاصر الذى يحتاج إلى ثورة شاملة، أو على حد قوله، إعادة بناء لا إعادة طلاء!، عيب هذا الخطاب الدينى المعاصر الأساسى هو التوحيد بين الفكر والدين وإغفال فهم ودلالة السؤال الذى تكرر كثيراً على النبى من الصحابة، سؤال أهو الرأى أم الوحى؟، الخطاب الدينى يوحد ما بين النصوص المقدسة وقراءة البعض لهذه النصوص فيضفى القداسة على هذه القراءة، فيصبح الفقيه هو المتحدث الرسمى باسم الله، وينتهى هذا الخطاب فى النهاية إلى تكريس الكهنوت. المرض العضال الثانى، الذى يعانى منه هذا الخطاب هو الاعتماد على سلطة التراث والسلف، واستبعاد العقلى المستنير من هذا التراث لصالح تكريس الرجعى المتخلف، فنجد على سبيل المثال نفياً لفكر المعتزلة العقلانى من التراث الإسلامى لصالح تيارات أخرى ظلامية، وتمسك هذا الخطاب بالشكليات وحرص عليها مهدراً مقاصد الشريعة وكلياتها. فيروس الخطاب الدينى الثالث من وجهة نظر نصر أبوزيد هو اليقين الذهنى، والحسم الفكرى الذى يقود أصحابه إلى تجهيل وتكفير الخصوم، وعدم تحمل أى خلاف، فهو الذى يحتكر الحقيقة الكاملة، وهذه الطريقة فى التفكير هى التى تقود إلى التشدد والتنطع والتكفير، فالخطاب الدينى لا يطرح أفكاره على أنها اجتهادات ولكنه يطرحها على أنها الإسلام، مجبراً المسلم على العيش بجسده متطفلاً على منجزات الغرب، والعيش بروحه وعقله وعاطفته فى الماضى، ويتقاتل محتكرو الدين وكأنهم فى سوق يرفع كل واحد منهم صوته بنداء «معانا الإسلام الحقيقى»!. فيروس الخطاب الدينى الذى أهدر دم نصر أبوزيد بسبب تمسكه بانتقاده له هو إهدار البُعد التاريخى، فالخطاب الدينى المعاصر يتصور التطابق بين مشكلات الحاضر وهمومه ومشكلات الماضى وهمومه، ولذلك يفترض إمكانية صلاحية حلول الماضى للتطبيق على الحاضر، ويعتمد فى الحل على نصوص السلف التى تتمتع بقداسة النصوص الإلهية، مما يؤدى لاغتراب الإنسان وعزلته وإحباطه فى حل أى شىء، مادام كل خطأ منبعه ومرده إلى البعد عن منهج الله وعيش الناس فى الجاهلية، ويتناسى هذا الخطاب أن النصوص لا تستغنى عن البشر فى فهمها وتأويلها، ولا تفصح بذاتها عن معناها، مع مصطلح الجاهلية يضيف الخطاب الدينى مصطلحاً آخر وهو الحاكمية الإلهية التى تتحول بالتدريج إلى حاكمية رجال الدين، مما يؤدى إلى أن يعيش المسلم خارج التاريخ منعزلاً متعالياً غير متصالح مع واقعه. مات نصر أبوزيد لكن أفكاره لن تموت. [email protected]