«العمل بالمتاح» هو المبدأ الذى يتخذه حاليا عدد غير قليل من الشباب للتغلب على مشكلات قلة فرص العمل والبطالة، فاختاروا شكلا آخر من العمل المنزلى اليدوى والحرفى، الذى يتيح قدراً معقولاً من الدخل المادى المريح، ليحول الوضع الاقتصادى عددا كبيراً من حاملى المؤهلات العليا ل «صنايعية» يعملون من خلال الفنون التى يجيدونها بأياديهم، بالإضافة إلى عدم وجود رئيس فى العمل يفرض تحكماته، مما يتيح لهم درجة استقلالية وقدرة على الإبداع والتجربة، وعدم وجود حرج فى العمل كصنايعية. نسمة بدوى واحدة من اللاتى قررن أن تتحدين البطالة قبل أن تصطدم بها بعد التخرج، فهى لاتزال تدرس فى الفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، ولم تخرج بعد لسوق العمل لتعرف إمكانية الحصول على عمل ثابت، لكن حبها للأشغال اليدوية جعلها تنزل للعمل فى أحد معارض النجف لتتعلم كيفية صناعته يدويا، وبالفعل حصلت على سر المهنة، وكنتيجة لتفوقها الشديد فيها قررت بعد فترة قصيرة أن تترك العمل لدى صاحب المعرض لتكون مشروعها الشخصى بشكل حر، وتقوم بتنفيذ أفكارها المتطورة فى صناعة النجف اليدوى وبيعه دون وسطاء، تحكى نسمة تجربتها: «أنا عندى أفكار متطورة فى شغل النجف اليدوى، ولقيت إن أفكارى دى عليها إقبال والناس بتحب تشتريها، ففكرت إنى أبتدى أشتغل وأسوق لنفسى من غير وسطاء أو صاحب معرض يبيع لى شغلى وياخد نسبة كبيرة، علشان كده سبت شغلى وبقيت دلوقتى بعمل كل حاجة لوحدى والمكسب يبقى ليا». لم يكن قرار نسمة سهلا فى أن تترك عملها شبه الثابت لتعيش تجربتها الخاصة، وهو ما دفعها لتقوم بعمل دراسة جدوى لمشروعها، لمعرفة مدى الربح الذى قد يعود عليها فى حالة عملها حرة لنفسها، بالإضافة إلى حصولها على دورات تدريبية فى الإدارة والتسويق، ووجدت نسمة أنها إذا استقلت بمشروعها وسوقته بالشكل الصحيح ستكسب مثلها مثل أى تاجر، حيث تتباين أسعار بضاعتها، فتبدأ من 50 جنيها لتصل إلى ألف جنيه، وهو ما يجعل زبائنها من جميع المستويات. نظرة المجتمع لعملها أيضا لم تكن بالأمر السهل، فوالدها كان من أشد المعارضين لعملها الخاص: «والدى كان بيقول لى العمل الحر مافيهوش مستقبل، مش هتقدرى تعملى منه حاجة، وكانت فكرته إنى لازم أبقى موظفة قاعدة على مكتب لإن ده أحسن وأفضل ليا كبنت، لكن دلوقتى لما بيشوف حجم المكاسب اللى بتجيلى من شغلى لوحدى بدأ شوية يقتنع، وكل الناس اللى كانت بتبص نظرة سلبية لفكرة إن بنت تنزل وتقف وتبيع شغلها بنفسها، دلوقتى بيشجعونى بعد ما بيشوفوا رد الفعل الكويس من زباينى ومكسبى المضمون». تسعى نسمة حاليا إلى البحث عن فرصة لتصدير منتجاتها، خاصة أنها أصبحت تعرف جميع تفاصيل المهنة، ومتفقة حاليا مع عدد من المعارض وقاعات الجاليرى لتوصيل طلبيات من النجف التى تقوم بصناعته لهم بالسعر الذى تحدده. «شغلى ماكنش فيه فن خالص، وأنا مبحبش الروتين، فقلت أقعد فى البيت علشان أكسب أكتر».. هذه هى وجهة النظر التى جعلت نهلة السباعى تترك عملها فى أحد مصانع الأخشاب لتتخصص فى بيع إكسسوارات للفتيات من أساور وسلاسل وحلقان وبيعها بنفسها من خلال الإنترنت أو المعارض المختلفة، تخرجت نهلة فى كلية تربية فنية عام 2006، وبدأت عملها فى بيع الإكسسوارات منذ أن كانت تدرس، حيث أتقنت الأشغال الفنية من رسم ونحت وشغل بالنحاس لعمل الأشكال المختلفة، ففكرت أن تستغل تلك الموهبة فى القيام بعمل تحبه وفى نفس الوقت يعود عليها بمقابل مادى جيد، وتستطيع من خلاله أن تنفذ أفكارها المتطورة فى مجال المزج بين الإكسسوارات المعدنية والجلد، وهو ما لاقى إقبالا شديدا: «أول ما بدأت كنت عايزة أعرض منتجاتى فى ساقية الصاوى، لكن ماكنش معايا 300 جنيه تمن تأجير مكان صغير يبقى بتاعى، فاستلفتهم من والدى، بس من ساعتها وشغلى ناجح إلى حد كبير وبقدر أكسب منه بشكل معقول، ده غير إنى بنفذ أفكارى بس مش أفكار حد تانى، علشان كده أنا مش بشتغل فى ورشة أو مع ناس، لإنى بعتبر نفسى فنانة مش مجرد منفذة للأفكار»، حتى الآن نهلة غير مقتنعة بفكرة البطالة وتبرر ذلك بقولها «اللى عايز يشتغل هيشتغل، ممكن يعمل أى حاجة بتجيب فلوس مادام مش حرام، لكن المعظم بيكسل، وبيستعلى إنه يعمل حرفه بإيده». معظم زبائن نهلة كما تقول من الأجانب، والذين يقدرون هذا الشكل من الفنون أكثر من المصريين، وتتراوح أسعار أعمالها بين 35 و70 جنيها، ووصل عدد أعضاء مجموعتها على الفيس بوك إلى 800 عضو حتى الآن، يمثلون قوة شرائية قوية لمنتجاتها التى تعرض صورها. تتشابه قصة ليلة أبو رجب بشكل كبير مع نهلة، حيث تعمل ليلة أيضا لحساب نفسها فى تصنيع البراويز والإكسسوارات والأعمال الفنية اليدوية، وتحاول أن تحصل على مكان لتعرض منتجاتها فى معارض، لكنها وجدت بعض الصعوبات حتى تستطيع أن تحقق ذلك، بسبب عدم تقبل تلك الفكرة فى البداية، فمنذ عدة سنوات لم يكن قيام الفتيات بتصنيع وبيع منتجاتهن بأنفسهن أمرا منتشرا كما يحدث حاليا، تقول ليلة «لما بنزل ورش الصاغة علشان أعمل شغلى، اللى حواليا بيبقوا مستغربين إن أنا نازلة وبيقولوا لى، ما تقعدى فى البيت أحسن ليه تتعبى نفسك، لكن أنا شايفة إن ده شغلى اللى ممكن أحقق فيه نجاح على المستوى المادى والمعنوى». سارة الكويدى – 26 عاما – خريجة كلية الفنون الجميلة قسم العمارة، لكنها اختارت أن تتغلب على قلة فرص العمل للفتيات الحاصلات على مثل مؤهلها كمهندسات، بمحاولة احتراف فن التصوير من ناحية، والتصميم الداخلى من ناحية أخرى، حيث تعمل حاليا كمصورة هاوية، خاصة أن هذه المهنة لا تحتاج إلى مقر ثابت للعمل، فيكفى أن تعلن عن نفسها فى أوساط المعارف والأصدقاء والإنترنت لتأتى لها بشكل غير منتظم فرص عمل لتصوير نشاطات أو منتجات، غير مهنة التصميم الداخلى، الذى تقوم به أيضا بشكل حر وغير منتظم لكنه يجدى نفعا فى جعلها مستقرة ماديا ومتغلبة على مشكلات الحصول على عمل ثابت فى وسطها.