مشاهدو برامج التوك شو لم يصدقوا أن عشرات «البلدوزرات» فى حراسة طابور من قوات الأمن المركزى بالرشاشات والعربات المصفحة، وهى «تدمر» الزراعات، و«تقتلع» الأشجار، و«تحطم» الآبار، و«تهدم» بيوت الفلاحين هى «بلدوزرات مصرية»!! فالكل تصور فى البداية أن هذا المشهد ل«جرافات إسرائيلية» تستولى على أراض فلسطينية.. ثم انكشفت الجريمة عندما تحدث أحد المستثمرين فى مداخلة تليفونية ليوضح للمشاهدين الحكاية. والحكاية أنه مواطن «مصرى» كان يعيش فى أمريكا، وصدق كلام الحكومة المصرية بأن مناخ الاستثمار أصبح جاذباً، وآمناً.. ولثقته وقتها بوعود الرئيس فقد لبى نداءه للمغتربين بالاستثمار على أرض الوطن الأم مصر، ولم يتشكك للحظة واحدة أو يتخيل أن هناك «دولة»، يستطيع أى «موظف» فيها، مهما كان منصبه، أن يتصرف فى ممتلكات الناس وكأنها «عزبة السيد والده»، ضارباً بالقانون وسياسات الدولة عرض الحائط!! والبداية عام 93 عندما كانت «نفس الدولة» تلهث وراء أى «مجنون» راغب فى غزو الصحراء، وتجمع «1400 مختل عقلياً» ليؤسسوا «جمعية تعاونية» بناءً على طلب وزير الزراعة د. يوسف والى الفاهم لمعنى تشجيع الناس على زراعة الصحراء التى تحتاج إلى مال قارون، وصبر أيوب، وعمر نوح، وخصص لهم مساحة 14 ألف فدان من صحارى محافظة المنيا الشاسعة، وسددوا التزاماتهم، وحصلوا على جميع الموافقات والتصاريح، والأذون، والأختام بعد رحلة عذاب لا يعرفها أو يتخيلها سوى من له تجربة، ومرت السنون واحتاجت محافظة المنيا عام 96 مساحة 400 فدان لإقامة محطة صرف صحى من هذه المساحة بالذات، واضطرت الجمعية للتنازل عنها رغم المعارضة الشديدة لموقع هذه المحطة، خاصة أن «نفس الدولة» حفرت ترعة لرى المنطقة بمياه النيل، حتى لا يتم الخلط بين مياه الرى ومياه الصرف، ومنعاً لأى تلوث محتمل. الخلاصة: أن «السيد اللواء الدكتور الوزير المحافظ» الجديد، الذى يعتبر نفسه أقوى من الدولة، وفوق القانون قرر مع نفسه الاستيلاء على كامل المساحة، رغم أنها تقع فى ولاية الهيئة العامة للمشروعات التابعة لوزارة الزراعة، باعتبار أن وزير الزراعة الحالى لن يجرؤ على مواجهة هذا «القراقوش»، الذى وصفه النائب المحترم علاء عبدالمنعم فى مداخلته مع البرنامج بأنه «محافظ بلطجى»، ويجب ملاحقته قضائياً، وهو ما حدث بالأمس، وتقدم المضارون ببلاغات للسيد النائب العام لمخالفاته قوانين البيئة التى تجرم قطع شجرة واحدة دون إذنها، فما بالك بمن أتلف وقطع وخلع ودمر آلاف النباتات والأشجار المثمرة فى بلد مرشح «لمجاعة» لا ريب فيها!! والسؤال: كيف يجرؤ «موظف» بدرجة محافظ على «دهس» أحكام قضائية صادرة لصالح المواطنين؟ ومن يحاسب أمثال هؤلاء المتجردين من أى إنسانية ليصدروا مثل هذه القرارات العنترية لتموت الأشجار، وتجف الآبار، ويتشرد العمال، ويكفر المصريون بوطنهم، ويطفش كل مستثمر جاد، ويرتعد كل مغترب من فكرة الاستثمار على أرض الوطن الأم، فى بلد يحكمه الآن بعض الذين لا يمتثلون للقانون لمجرد أنهم يملكون «البلدوزر»!! «البلدوزر» اخترعه الإنسان ليستصلح به الأرض، ويعمر به المدن، ولكن أمثال هؤلاء اكتشفوا أن له استخدامات أخرى، لتصبح كلمة «بلدوزر» فى مصر تعنى الهدم، والإزالة، والدمار، وكما كان، «التتار» يوماً، هم أسياد العالم فى فنون التخريب.. لم يدخلوا بلداً إلا وخربوه، وجلسوا على أنقاضه، ولم يسجل لهم التاريخ أنهم أقاموا زراعة أو تعميراً أو شاركوا فى مسيرة الحضارة. نحن الآن فى مصر تفوقنا عليهم، وصار من حقنا الفوز «بوسام التدمير العالمى»، بعد أن باتت نزعة التخريب عند جهازنا الحكومى «عقيدة».. فما تهدمه «بلدوزرات الحكومة» فى يوم واحد، أكثر مما يبنيه الشعب، كله فى نفس اليوم، ولدىّ عشرات الأمثلة، ولكن ما جدوى الأمثلة وكل واحد فينا عنده أكثر، ولا يمكن إحصاء حالات التخريب والتدمير الحكومى المستمرين صباحاً ومساءً من أسوان إلى سيناء!! والحل: لو كان السيد المحافظ «الجهبز» قد سأل أهل العلم.. لقالوا له: بدلاً من الاستيلاء على 13 ألف فدان لعمل مزرعة خشبية للتخلص من مياه الصرف عليه أن يشترى «وحدة كاملة» للتنقية وإعادة تدوير مياه الصرف لتصبح مياهاً صالحة للزراعة وحتى للشرب كما يحدث فى «موزمبيق» وبوركينا فاسو. وبالتالى: 1- نستبعد تماماً أى احتمالات لخلط مياه الصرف بمياه الرى. 2- نحمى المخزون الجوفى من التلوث. 3- نستخدم ال45 ألف متر مكعب لرى الزراعات ونحن على أبواب كارثة فقر مائى. 4- إذا كان المتر المكعب يتكلف 15 قرشاً لتنقيته وإعادة تدويره، فكل المزارعين من حوله مستعدون للتعاقد معه على شراء المتر ب25 قرشاً وهى تكلفة استخراجه من باطن الأرض عن طريق الآبار. ولكن السيد اللواء الدكتور الوزير المحافظ «الجهبز» يستكبر سؤال الخبراء والمتخصصين باعتبار أنه «الأفهم»، و«الأقدر»، و«الأعظم» بدليل أنهم اختاروه «رئيساً» لمحافظة بأكملها!! قلبى مع وزير الاستثمار الذى تضيع كل جهوده سدى أمام هذا «الطوفان» من الفوضى، والاشتباكات، والمنازعات الكفيلة بهدم أى طوبة فى مناخ الاستثمار الذى بنيناه فى 20 سنة!! ويا خسارة تعبى، ونشفان ريقى وأنا أحاول إقناع زملائى فى بلاد المهجر بالاستثمار على أرض وطننا الأم مصر، وقد بدأت بنفسى وعدت بقدمى رغم كل التحذيرات!! عموماً: العيب ليس على هذا المحافظ وأمثاله من خريجى مدرسة فقر الفكر، وفكر الفقر، ولكن العيب فيمن يختار هؤلاء!! [email protected]