إذا أنت رفضت قراراً كان الرئيس عبدالناصر قد اتخذه، فليس معنى هذا أنك ضد الرئيس الراحل، وإنما الصحيح أنك ضد القرار ذاته، وهناك فارق طبعاً، بين أن تكون ضد الرجل، وبين أن تكون ضد القرار وعواقبه فى حياتنا! وما ينطبق على عبدالناصر، يسرى بالضرورة على الرئيس السادات، فيما بعد، ثم على الرئيس مبارك، الآن، فليست هناك أمور شخصية، بين أى من الرؤساء الثلاثة، وبين أى منتقد لما فعلوه، ولكنه شأن عام فى كل الحالات، بين الطرفين. والدستور الحالى، على سبيل المثال، يقول فى المادة 87 منه، إن القانون يحدد عدد الدوائر الانتخابية فى الدولة، ثم عدد أعضاء مجلس الشعب، على ألا يقل عددهم عن 350 عضواً، وأن يكون نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين! وربما يكون علينا أن ننتبه بقوة هنا إلى عبارة «على الأقل»، لأنها تعنى أن عدد العمال والفلاحين يمكن أن يزيد على النصف، ولكنه أبداً يجب ألا يقل عن النصف، وهذا ما يفسر أن بعض الدوائر الانتخابية يجوز أن ينجح فيها النائبان، من العمال والفلاحين، ولكن لا يجوز أن يكونا معاً، من الفئات، وهو تصنيف بغيض، للشعب، بدأ فى مطلع الستينيات، لهدف كان يبدو منطقياً وقتها، من حيث الشكل فقط، دون استناد إلى أى مضمون، فإذا بالقرار الذى كان مؤقتاً، يتحول إلى صنم نعبده مع بدء كل دورة برلمانية جديدة، وإذا بمسؤولينا، على اختلاف درجاتهم، يدورون حول الصنم، ولا يفكرون ولو مرة واحدة، فيما إذا كان علينا أن نعبده، أم نحطمه؟! وإذا كان غلاة الناصرية أنفسهم، وعلى رأسهم الكاتبة الأستاذة فريدة الشوباشى، قد بدأوا مؤخراً يعترفون بأنه لا داعى مطلقاً للإبقاء على هذه النسبة داخل البرلمان، وأنها كانت ولاتزال مدمرة للسلطة التشريعية، ومعطلة لها عن أداء دورها المفترض فى الرقابة على أعمال الحكومة، فلا أحد يفهم لماذا الإصرار عليها، من جانب كبار المسؤولين، الذين لا يفوتون فرصة، إلا ويعودون للتأكيد فيها من جديد، على أنه لا تفريط فى ال50٪، مع أنهم يعرفون جيداً - بينهم وبين أنفسهم - أن الإبقاء عليها، تفريط فى دور البرلمان ذاته، وإفراط فى التمييز بين أبناء الشعب الواحد، دون أدنى مبرر معقول! سوف يصل عدد أعضاء البرلمان، فى الدورة الجديدة، التى تبدأ فى نوفمبر المقبل، إلى 618 عضواً، بعد إضافة الكوتة النسائية البالغة 64 مقعداً، وسوف تظل ال50٪ كما هى، بما يشير إلى أننا حين أضفنا هذا الرقم الجديد إلى البرلمان، قد فكرنا فى الشكل فقط، ليبقى المضمون على حاله، وليس سراً أن البرلمان، أى برلمان، لم تكن العبرة فيه أبداً بالعدد، وإنما بالقدرة على الأداء المنضبط، وهو ما لن يتأتى أبداً، إلا إذا كان أعضاؤه سواء دون تمييز، أو أن يكونوا جميعاً عمالاً وفلاحين، على اعتبار أننا كلنا هكذا، كما كان عبدالناصر يقول! الناصريون المخلصون، يخلعون قميص عبدالناصر، إذا وجدوا لذلك ضرورة.. ولكن المتاجرين بالقميص نفسه الآن، يفهمون جيداً، أن التمسك به فى أحوال كهذه، مجرد تجارة بمصالح العمال والفلاحين، ولا علاقة له بالشطارة!