ليسمح لى الأصدقاء فى جريدتى «المصرى اليوم» أن أختلف معهم فى صياغة خبر الحكم الذى صدر من محكمة جنح مستأنف طنطا الأحد الماضى، فأبدا لم يُرض الحكم الصادر أياً من المحامين الأحرار، ولن يمنع اشتعال الأزمة، بالعكس هو سبب أصيل فى توحد الجماعة الوطنية داخلها لتحريرها من المحتلين أذناب الحزب الوطنى الحاكم.. وقديما قالوا «الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية». لم يزل هناك الكثير يمكن قوله أمام محكمة النقض طعنا على الحكم الصادر من محكمة جنح مستأنف طنطا بمعاقبة المحاميين إيهاب محمد إبراهيم ساعى الدين ومصطفى فتوح. هناك شعاع نور يبعث على الأمل من داخل ظلمات الأزمة التى تمر بها نقابة المحامين، فالشكوك تحيط بسلامة الأحكام التى صدرت فى واقعة شديدة الصلة بيقين القضاة الذين يجلسون على منصة الحكم على الأقل فى درجة الجنح، وصدرت ردود فعل عنيفة لم يكن يتعين صدورها مطلقا من قضاة يجلسون فى منصة الحكم انطوت على تحقير لمهنة المحاماة، وأفصحت عن رأى جماعة القضاة فى مصر فيما يتعلق بالنزاع الدائر بين محام ووكيل نيابة تطور بشكل مؤسف، ليتحول لأزمة علقت بثوب العلاقة بين المحاماة والقضاء، مما يُنمّى فكرة التشكك فى إمكانية حياد القضاء المصرى وهو ينظر هذه الدعوى. أقول لم تزل هناك بقعة ضوء باقية تتمحور حول الثقة المفرطة فى قضاء النقض، وعليه ينبغى أن نحيل ملف التعاطى مع قضية إيهاب ومصطفى من الناحية القانونية لحين طرح النزاع على محكمة النقض فى جولة جديدة من المؤكد أنها ستتسم بقدر كبير من الهدوء والاتزان، وهى السمة التى تسود داخل أروقة قضاء النقض الشامخ. يبقى فى هذا الخصوص جزء قانونى وإنسانى يتعلق بما يمكن أن يفعله المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، عند النظر فى طلب وقف تنفيذ العقوبة المقضى بها لحين الفصل فى الطعن بالنقض، وأنا هنا لا أمالئ النائب العام ولا أداهنه فلست بهذا الرجل، وليس هو بالذى يتأثر بمدح أو قدح، لكننى أفصحت عن رأيى غير مرة فى أن النائب العام الحالى من أفضل النواب العموم فى تاريخ مصر، على الأقل منذ ثورة يوليو 52، قلت ومازلت أقول إن أهم ما تميز به المستشار عبدالمجيد محمود قدرته على تحقيق التوازن بين مقتضيات واجبه الوظيفى ودوائر السلطة وحقوق المواطن المصرى. إذا كان المسيطر على أروقة القضاة الغاضبين هو فكرة الردع، فالردع يتحقق بالحبس والمحاكمة ثم صدور حكم تم تعديله من محكمة الاستئناف، وهذا المعنى تحقق فى أحداث محاكمة المحاميين بطنطا التوسع فى فكرة الثأر والانتقام أكثر من ذلك يفتح الباب لمعان قد تنال من الموروث المتجذر فى نفوس المصريين تجاه القضاء الجالس، وتتحول العلاقة فعلا لمأزومية كبيرة على مدى السنين القادمة، لذلك طلب وقف التنفيذ لحين الفصل فى الطعن بالنقض يحقق اعتبارات كثيرة أهمها أنه فى صميم صلاحيات واختصاص النائب العام والموافقة عليه لا يمكن تفسيره بأى نحو من وجوه التفاهم التى سادت أثناء الأزمة وتم التعبير عنها بشكل خاطئ من نقيب المحامين، كما أنه يصادف صحيح القانون، وهناك وقائع كثيرة مشابهة تصدى سيادة النائب العام وأصدر قرارا فى الإشكالات المماثلة بوقف تنفيذ العقوبة لحين الفصل فى طعن النقض. إدانة السلوك المنسوب للمحامى إيهاب حدثت بحكم ابتدائى من محكمة جنح دائرة مستأنف، هذا يُرضى القضاة الغاضبين. وقف تنفيذ العقوبة لاثنين من المحامين لهما محل إقامة ثابت ومعلوم فى ضمان وأمان نقابة المحامين، لا يُخشى عليهما من الهرب، والإفراج عنهما انتظارا لحكم محكمة النقض أيضا يرضى جموع المحامين الغاضبة. هذا وجه من أوجه الأزمة.. ولكن إذا فُهم سبب غضب القضاة فإن سبب غضب المحامين ينطلق من شعورهم بعدم المساواة فى تحقيق الواقعة، وليسمح لى المستشار الجليل عبدالمجيد محمود بأن ننقل إليه همهمة المحامين فى كل مصر من أقصاها لأقصاها، ننقله ليس اتهاما ولا تشكيكا، معاذ الله، ولكنه نوع من الحوار العاقل والدفاع الموضوعى، فليس مطلوبا أن نبقى فى حالة هياج على طول الخط. إن قلق المحامين مصدره أن الواقعة حملت كما فى الأوراق أيضا ادعاءات تعرض المحامى إيهاب للتعدى من مدير نيابة طنطا، ضربا وسبا، ومقتضيات العدالة كانت تقتضى إحالة الواقعة فى هذا الخصوص للمحاكمة، والمحكمة وشأنها.. أما تصديق رواية وكيل النيابة فقط والالتفات عن كل ما أثير حول خروج وكيل النائب العام فى طنطا عن مقتضيات الشرعية والانضباط فهو سبب أصيل من أسباب شعور المحامين بالحيف وعدم المساواة. طريق معالجة الأزمة من الناحية القانونية لم يزل طويلا ممتدا له محاور مختلفة، نستطيع أن ندافع خلالها عن كرامة مهنة المحاماة والضرب بيد قوية على كل الذين يريدون المساس بهيبة المحاماة والمحامين أو تحويلهم لتابعين لأى مؤسسة كانت، سياسية أو قضائية، لسنا معاونين لأحد، نحن صناع مشاركون فى تحقيق العدالة والحق. لكن العاجل، قبل أن ندخل فى مواجهات مع الغير، هو ضرورة تحرير البيت من الداخل أولا وتطهيره من الذين دنسوا نقابة المحامين بسياسات خاطئة نالوا من موروثها التاريخى النضالى دفاعا عن حقوق الوطن والمواطن، الذين حولوا تلك النقابة العريقة لكيان ممسوخ لا طعم له ولا رائحة، يصمت حيث ينبغى أن يزأر، يهزل فى مواطن الجد، يداهن فى مواضع العزيمة، جلبوا لنا سياسات الحزب الوطنى، على نقيب المحامين أن يستقيل فورا. هناك أمور داخلية تحتاج إلى شجاعة فى التصدى، أهمها تنقية الجدول من غير المشتغلين، الذين يُضيعون كرامة المهنة والنقابة باحترافهم حرفاً أخرى لا ينبغى الجمع بينها وبين المحاماة، تدريب المحامين الشبان تدريبا مناسبا وتأهيلهم من خلال معهد المحاماة وأصحاب المكاتب من شيوخ المهنة. إن شجاعة المحامى ليست أبدا فى تطاوله على الآخرين من رجال السلطة بقدر ما تبدو فى فهم واجبات المهنة وحدودها.