لم تكن الكتابة اختيارا.. عندما تجد نفسك في سن الخامسة عشر تنتهي من قراءة رواية فتبدأ في كتابة رواية كأنك مؤلف حقيقي, لايكون في الأمراختيار. ثم تجد نفسك وقد انتهيت من كتابة الرواية الساذجة طبعا تبدأ في رواية أخري لايكون في الأمر اختيار. وحين تجد نفسك وقد أغلقت عليك باب الحجرة ورحت تغرف من متع غير مرئية ولا محسوسة وأنت تكتب. ثم تعلن ذلك لأصدقائك المقربين في سعادة لا توصف وينظرون إليك بدهشة ويضحكون فتدرك أن سر الكتابة أجمل من أن يعلن. هكذا كانت البداية. تأتيك من حيث لا تقصد إشارات رائعة كأن تعرف أن للكتابة تاريخًا, وأن للكتابة مدارس ومذاهب. تعرف ذلك صدفة وأنت تستعير رواية من المكتبة العامة فتري كتابا يحمل عنوان المذاهب الأدبية , أو تاريخ الأدب الفرنسي أو الإنجليزي. يبدو وكأن الكتاب الموجود علي رف المكتبة من زمان وأنت لا تدري قد انتقل اليوم ليكون أمامك. وهكذا تتوقف عن الكتابة لتعرف ما الذي جري في تاريخها. وشيئا فشيئا تجد نفسك تسبح في بحرجميل من المعرفة. ثم تنتبه إلى ما يكتب في الصحف من آراء عن الروايات والدواوين. تتغير الحياة حولك وتنتبه دون قصد إلى غرائبها. شيئا فشيئا تستغني بالكتابة عن أي شيء إلا ما يدور في فلكها. ندوات وجماعات أدبية. وتعرف أن الأمر ليس بالسهولة التي بدأت بها لكن لايمكن العودة الآن. لقد دخلت الطريق المسحور. وهكذا صارت الكتابة هي الحياة الحقيقية. وما أقرأه من أعمال هو العالم الحقيقي. وما أعيشه مع الشخصيات هو الواقع الحقيقي. صار ما حولي هو الوهم الذي لن يكتمل أبدا. الأجمل هو اكتمال الكتابة. يطول الحديث عما استدعته الكتابة من قراءة في الفلسفة والتاريخ وعلم النفس والسينما والمسرح والفن التشكيلي والشعر وغير ذلك مما نسميه القوة الناعمة وهو في الحقيقة القوة الحقيقية. كل المعارك والحروب انتهت وبقيت الكتابة والفنون. كل الاختراعات تتغير كل يوم وتبقي الكتابة والفنون. هذه هي الكتابة. --------- النص| نقاوم وجع الحسرة (مقطع من رواية"أداجيو") "تضحك ريم فتخرج نورعلي مهل. تعزف وتغني " كل دا كان ليه لما شفت عنيه " يصل صوتها الحلو إلى ريم التي ما تلبث أن ترتعش كثيرا وتكاد تتخبط في الحائط المجاور للسرير. تنتهي النوبة وتنظرحولها. عيناها مفتوحتان مرفوعتان إلى أعلي في دهشة تكفي الناس جميعا , في سؤال لا يعرفه أحد إلا هي. لابد أين كنت ومن أين عدت الآن؟ وماهذا الذي رأيته ولماذا هو ليس حولي الآن؟ وفي أي زمن عرفت ما حولي أو رأيته من قبل؟ وفمها مزموم كأنما لا تستطيع أن تفتحه. شيئا فشيئا تنفتح شفتاها تشعر بالراحة فتتنفس قائلة " الحمد لله " علي مهل تنهض تمشي مرتكنة علي الحائط حتي تخرج ثم تتماسك وتمشي غير مرتكنة علي شيء. صوت نور الجميل يردد " حن قلبي إليه وانشغلت عليه. كل دا كان ليه " تنزل دمعتان من عيني ريم التي تشعر بها نور فتترك لها البيانو. - تبكين ياماما؟ وتكاد تبكي نور. تأخذها ريم في حضنها وتحمد الله أنها لم ترها في لحظات النوبة. - خلاص. أيام وتسافري. - لن أتركك ياماما. تجلس ريم مكانها أمام البيانو. تبتسم. - سأعزف كلاسيك. لا داعي للطرب العربي الذي يسيل دموعنا بسرعة هكذا تعزف موسيقي " ضوء القمر " لديبوسي ثم "ضوء القمر" أيضا لبيتهوفن ثم " إلى اليزFure Elise" أيضا لبيتهوفن فتمتلئ الحجرة بالملائكة يسبحون. - الله ياماما. تهتف نور وتحتضنها من الخلف تقبلها. وريم سعيدة بقدرتها على المقاومة. ليس للمرض. لكن للحسرة!" ------------ * إبراهيم عبد المجيد: روائي وقاص مصري. من أعماله: في الصيف السابع والستين. المسافات.ليلة العشق والدم. الصياد واليمام. بيت الياسمين. البلدة الأخرى.قناديل البحر. لا أحد ينام في الإسكندرية.طيور العنبر. مشاهد صغيرة حول سور كبير(مجموعة).إغلاق النوافذ(مجموعة). سفن قديمة(مجموعة).مذكرات عبد أمريكي (ترجمة). غواية الإسكندرية(كتاب).شهد القلعة. في كل أسبوع يوم جمعة.الإسكندرية في غيمة. هنا القاهرة. أداجيو. ## إبراهيم عبد المجيد http://almashhad.net/Articles/992661.aspx سعيد نوح http://almashhad.net/Articles/992663.aspx صبحي موسى http://almashhad.net/Articles/992666.aspx عمار علي حسن http://almashhad.net/Articles/992669.aspx ماهر مهران http://almashhad.net/Articles/992673.aspx محسن يونس http://almashhad.net/Articles/992676.asp وحيد الطويلة http://almashhad.net/Articles/992680.aspx هاني القط http://almashhad.net/Articles/992700.aspx أنهار الرواية المصرية .. ملف خاص (شهادات ونصوص ل 8 روائيين) http://almashhad.net/Articles/992649.aspx