لم يكد يصدر الجامع "الأزهر" الشريف فتواه حول عدم كفرية تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف ب"داعش"، إلا وتسببت تلك الفتوى في جدلاً واسعاً، وصل في بعض أوقاته إلى الهجوم على الأزهر وشيخه، في إغفال تام إلى أن أحكام التكفير، لا يمكن القول بها على الإطلاق، وإنما لها ضوابط ومعاير محددة لابد من توافرها للحكم بها. فتوى "الأزهر" لم تبالي بما كان متوقعاً أن يحدث من هجوم واسع عليها، خاصة ممن يسعون إلى جذب الأزهر إلى أرضية "داعش" التي تنطلق من تكفير عموم المسلمين واستباحة دمائهم، دون النظر بعناية إلى الضوابط الشرعية التي تسمح بذلك. ويلتزم الأزهر بما جاء في صحيح الدين، أنه لا يمكن تكفير الفرد مهما بلغت ذنوبه إلا إذا جاء بكفر فواح. حيث نفى الأزهر، في بيانه ما تناقلته بعض وسائل الإعلام الإلكترونية لبعض العبارات المقتطعة التي جاءت على لسان مفتي نيجيريا إبراهيم صالح الحسيني خلال كلمته التي ألقاها بمؤتمر "الأزهر لمواجهة العنف والتطرف"، الذي عقد على مدار يومين مؤخرا في القاهرة، ناسبة إليه أنه أفتى بتكفير تنظيم داعش. الأزهر ثال في بيان صادر عن المشيخة إنه يرفض تكفير (داعش) لأنه لا تكفير لمسلم مهما بلغت ذنوبه، وأن ما رددته وسائل إعلامية عن تكفير "داعش" يتنافى مع ما أكده الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في تصريحات له في افتتاح مؤتمر الإغاثة العالمي، بأنه سيجتمع بقيادات الجهات المتصارعة، ولديه استعداد لأن يلتقي حتى بالمتطرفين أنفسهم؛ إن كان في حديثه معهم أمل لإعادتهم لاعتناق أفكار وتعاليم الإسلامي الصحيح والابتعاد عن التطرف والإرهاب. وقال الطيب خلال أعمال ملتقى "مواجهة التطرف والإرهاب" مطلع ديسمبر الجاري إننا لا ينبغي أن نغض الطرف عن أفكار الغلو والتطرف التي تسربت إلى عُقول بعض من شبابنا ودفعت بهم إلى تبني الفكر التكفيري واعتناق التفسيرات المتطرفة والعنيفة، مثل تنظيم القاعدة والحركات المسلحة التي خرجت من عباءته وتعمل ليل نهار على مُهاجمة الأوطان وزعزعة الاستقرار، وتابع: "ظهر أخيرا على الساحة تنظيم داعش الذي نادى بالخلافة الإسلامية، وقبله وبعده ميليشيات طائفية أخرى قاتلة". صدمة الفتوى ربما جاءت من تلك المفارقة التي وقعت داخل النفوس بين ما يقع من داعش- فكراً وسلوكاً وممارسة على أرض الواقع- وبين ما يفهمه الناس عن الإسلام الوسطى المعتدل. ففي الوقت الذي يتبنى فيه ذلك التنظيم، أفكاراً غاية فى التطرف والغلو، تجافى حقيقة الفهم الصحيح للإسلام، وهى أفكار ليست من صناعتها، ولكنها موجودة فى بطون الكتب الموروثة قديماً وحديثاً، وتنتهج مسلكاً يتسم بالعنف والقسوة والغلظة، يصل فى غلظته وقساوته وعنفه حد القتل الجماعى والذبح، تجد فتوى الأزهر التي يرفض فيها الإفتاء بكفر "داعش". والطبيعى أن يقابل موقف "الأزهر" بعدم تكفير داعش، وفقاً للقانون الطبيعي الذي مفاده أن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، فلما امتنع الأزهر عن التكفير صدر عن البعض صراخ وعويل، والبعض الآخر صدرت عنه اتهامات للأزهر والأزهريين بأن من بينهم من يحمل بذور كامنة لذلك الفكر الداعشي. وربما يكون هذا موقف الأزهر- يدحض فرية أنه يخدم السلطة، لأن تكفير هذه الفئة يخدم سياسيًا توجه السلطة في محاربتها ينقصه الشق الآخر من المعادلة، وهو شق إقامة الحجة. موقف الأزهر من التكفير - عدم الحكم بالكفر المسلم مهما بلغت سيئاته. - العتقاد بأنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذنوب مهما بلغت لا يخرج ارتكابها العبد من الإسلام". - حد الحرابة الذى يستوجب القتل لا يستوجب التكفير، كما أن الحدود ما حُدَّت إلا على المسلم، إذا الحدود لا تطبق إلا على المسلم. - الله وحده هو الذى يحاسب على الإيمان والكفر، وأنه لا يجوز التكفير إلا بعد إقامة الحجة، وهو الأمر المستقاه من موقف الإمام على رضى الله عنه فى مواجهة خوارج عصره. - إقامة الحجة تستوجب مناقشة الأساس الفكري الذى قامت عليه هذه الجماعات المتطرفة، - مسالك المنحرفة لا تصدر إلا عن فِكَر وعقائد منحرفة وفاسدة، ومن هنا يلزم البحث في الأساس الفكري الذى انطلقت منه هذه الجماعات. - والعمل على نقد الأفكار المتطرفه ونقضها وتقويض وجودها، فلا يبقى له من أثر في النفوس. موقف الأزهر من "داعش" يمكن أخذ الموقف الرسمي "للأزهر" ثن تنظيم "داعش" فيما خرج من البيان الختامي لمؤتمر الأزهر العالمي في مواجهة التطرف والإرهاب بشكل عام وخاصة ما تثوم به "داعش". - كل الفرق والجماعات المسلحة و"المليشيات" الطائفية التي استعملت العنف والإرهاب في وجه أبناء الأمة هي جماعات آثمة فكرا وعاصية سلوكا. - ترويع الآمنين، وقتل الأبرياء، والاعتداء على الأعراض والأموال، وانتهاك المقدسات الدينية، هي جرائم ضد الإنسانية يدِينها الإسلام شكلا وموضوعا وليست من الإسلام الصحيح في شيء. - حرمة الاعتداء على الأخرين باسم الدين، والدين منها براء. - الخلافة ليست من أصول الإسلام وإنما هي من فروعه. - المسلمين والمسيحيين في الشرقِ إخوة، ينتمون معا إلى حضارة واحدة وأمة واحدة، عاشوا معا على مدى قرون عديدة، وهم عازمون على مواصلة العيش معا في دول وطنية سيدة حرة، تحقق المساواة بين المواطنين جميعا، وتحترم الحريات. - تهجير المسيحيين وغيرهم من الجماعاتِ الدينية والعرقية الأخرى جريمة مستنكرة. التكفير عند أهل السنة والجماعة أحكامه وضوابطه: أعرب كثير من الدعاة أن من أخطر الاحكام الشرعية هي التكفير، معتبرين أن الشرع عدد الكثير من الضوابط، للإفتاء يذلك الحكم، وهي كما يلي: القاعدة الأولى: - التكفير حكمٌ شرعي من أحكام الدين له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره ، شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام الشرعية - التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كلُّ من جهل شيئا من الدين يكفر. ومن القاعدة الأولى يتضح: 1 - لا يثبت التكفير على قول إلا بدليل شرعي؛ لأن الكافر هو من كفره الله ورسوله. 2 - لا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية. 3 - لابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ لأنه حكم شرعي؛ ولأن له أهمية كبيرة لارتباطه بكثيرٍ من الأحكام الشرعية. 4 - لا يصح ولا يجوز مجاوزة الحدِّ الشرعي فيه، لا بالإفراط ولا بالتفريط. 5- التحذير من الغلو في التكفير. القاعدة الثانية: التفريق بين التكفير المطلق (الأوصاف) والتكفير المعين (الأعيان): وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، أما الخوارج فأطلقوا التكفير وأما المرجئة فمنعوا منه، ما بين طرفيْ نقيضٍ. القاعدة الثالثة: الضوابط في تكفير المعين واجبةٌ في المقدور عليه، ولا تجب في الممتنع ولا المحارب، أي: لابد أنْ نفرق بين أمرين: بين الحكم بتكفير المعين وبين إقامة أحكام الردة على ذلك المعين، فلا يلزم من عدم إقامة أحكام الردة عدم تكفير المعين. القاعدة الرابعة: التوقف في عدم تكفير المعين – حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع – إنما يكون ذلك فيمن ثبت إسلامه بيقينٍ أو جُهِل حاله، وأما من ثبت كفره فلا يتوقف فيه. القاعدة الخامسة: التوقف في تكفير المعين يكون في الأشياء التي قد يخفى دليلها. القاعدة السادسة: أحكام الكفر في الدنيا تجُرى على الظاهر، فمن أظهر الكفر- وتوفرت فيه الشروط وانتفت الموانع- فإنه يُكَفَّرُ، وأما عن باطنه فعلمه عند الله تعالى.