بداية تعرفنا على صالحة عبيد كانت من خلال حضوري نقاشاً لها مع صوت أدبي آخر هو ياسر حارب. بدأت بتوجيه حديثها إلى ياسر: صوتك لابد أن يكون قوياً ليرسخ بين زحام الأصوات الموجودة، ليرد هو عليها بأن الأمر شبيه بما كان عليه الحال في إحدى الدول التي كان لديها في سنة من السنوات نحو 700 من القنوات التليفزيونية، وفي أقل من سنتين وصل العدد إلى 30 قناة، فالمشاهد وكذلك القارئ ذكي يستطيع أن يفرز الغث من السمين. قالت له: وسط هذا الزحام ينبغي التفكير جيداً والانتظار قبل الكتابة، فقال لها إن هناك فرقاً بين الكتابة والنشر، الأديب أو الكاتب لابد له أن يكتب وعليه أن يحذر الكسل. قالت هي: أكتب بشكل أسبوعي، حيث أكتب المقالات في إحدى الصحف، وأشغل عقلي باستمرار، لكن النشر حالياً وسط زحام الأصوات الأدبية أو الأدباء، وكلهم تقريباً من الشباب، يحتاج إلى التروي والتفكير.. أنا بدأت في العام 2010 ولم يكن هناك هذا الزحام كله! وأفضل التمهل حتى يحدث نضج للفكرة، لأنه بذلك سيكون الإصدار بمستوى النضج، فيكون دافعاً إلى قراءته. وتتابع: نعم الكتابة في بدايتها تكون للتعبير عن النفس، ولكن مع الوقت ومع استمرار القراءات تتحول إلى شيء آخر.. إلى رغبة في إحداث الفرق، رغبة في التأثير نوعاً ما. ووافقها هو، قال ياسر: اللحظة الجميلة هي لحظة بداية الفكرة، وأعتقد أن الكتابة تمر بمرحلتين الحمل والولادة، واللتين عبر عنهما باولو كويلو متحدثاً عن تجربة كتابه "ألف"، فقال إنه في العام 2006 سافر إلى تسع مناطق عبر روسيا، تختلف في التوقيت الزمني، وهناك جاءته فكرة كتابه التي ظلت تختمر في نفسه حتى العام 2012 عندما جاءت لحظة المخاض أو الولادة. صالحة: حتى الآن وبعد 3 إصدارات مازلت أشعر أن ما صدر لا يشبه الموجود بداخلي، وإن كان هذا لا يعني أنني غير راضية عما كتبت، ولكن يظل لدي الإحساس أن ما بداخلي ليس هو نفسه الموجود على الورق. ياسر ناصحاً إياها: هل خضت تجربة مثل sky diving، الغوص الجوي أو القفز من الطائرة؟ كلما اقترب الإنسان من الموت فهم أكثر معنى الحياة. أنصحك بمثل هذه التجربة ستغير أفكارك كثيراً بسنوات ضوئية! فكما قالت الروائية المغربية فاتحة مرشيد: الحب يصنع منا شعراء.. والموت يصنع منا فلاسفة، فإذا اجتمع الاثنان لدى الكاتب كان محظوظاً! صالحة: من وقت لآخر أقرر خوض تجربة مختلفة، فأقرر السفر، ولكن بخصوص sky divingأعتقد أن المعنى يصل أكثر عندما يكون التعرض للموت بشكل مفاجئ، وليس باختيار الإنسان! ياسر: أعتقد أن وجودك في مكان ما هو الذي يحدث الفارق، إبراهيم الكوني عاش حياته في الصحراء، ولكن كتاباته عن الصحراء كانت في جبال الألب! صالحة: إبراهيم الكوني لديه مشروع أزلي، فهو يكتب عن الصحراء ذلك الكائن الأسطوري، الكائن الذي ينجب الأشياء... تخرج منها بمنزلة نبي أو رجلاً فارغاً.. ياسر: ولكن هل لو بقي في الصحراء كان سيكتب ما كتب؟! المكان هو الفارق. انتهى النقاش بين صوتين أدبيين إماراتيين، والآن لنتعرف على صالحة عبيد الأديبة الإماراتية الشابة.. تقول عن نفسها: صالحة عبيد الفتاة التي تحاول أن تكتب، والتي تتعثر كثيراً، وتنجب الأحلام والكتابة، نصف إماراتية نصف مصرية.هكذا عرفتنا بنفسها.. تكمل: بدأت في 2010 وأصدرت أول مجموعة قصصية بعنوان "زهايمر"، وثاني مجموعة قصصية حملت عنوان "ساعي السعادة"، والكتاب الثالث هو عبارة عن تأملات في القاهرة في 2013، أو مجموعة من المشاهدات في أحوال مصر في 2012، بعنوان "آي باد.. الحياة على طريقة زوربا"! و"زوربا" هي شخصية راقص باليه مصري كان يؤدي دور زوربا في أحد العروض على مسارح دار الأوبرا المصرية! فشدني أنه شرقي ويؤدي دور زوربا، فهناك تمرد داخل التمرد، أو عبثية داخل العبثية التي كان يؤديها! عن بدايات التكوين تحدثنا صالحة.. منذ صغري وخطي في الكتابة سيئ، ربما لأنني مهندسة، فقد درست الهندسة وأعمل في المجال نفسه.. ولذا كان الوالد يفرض علي وأنا في المرحلة الابتدائية نسخ صفحة من الجريدة اليومية ثلاث مرات، في البداية لم أكن مهتمة بقراءة ما أكتب، لكن بمرور الوقت بدأت أهتم فلم تعجبني الصفحات الأولى من الجريدة، فانتقلت إلى الصفحات المتأخرة حيث المتفرقات والقصص، ومن هنا بدأ تعلقي بالقراءة.. بدأت مرحلة أخرى هي الانتقال إلى القراءة من مكتبة الوالد، الذي كان يشجعني على القراءة، وحضور معرض الكتاب بشكل ملزم، ومن بين ما قرأت في مكتبة المنزل "البؤساء" ولم يعجبني أن جان فالجان مات في الرواية، فقررت أن أصحح هذا الخطأ وأجعله لا يموت! فبدأت مرحلة الكتابة. حتى الآن أحاول أن أكتب، فالوعي الكامل اللازم للكتابة لا يزال يتشكل، وقد انتقلت من مرحلة القصاصات إلى مرحلة الكتابة، تقودني في ذلك الفكرة، حيث تولد الفكرة وتولد الشخوص، التي تعيش معي لفترات قد تصل إلى سنة، والتي تخبرني أنها تريد أن تكون بصورة معينة، ولا يهم أن تكون الشخصية كائناً لأنني أقوم بأنسنة الأشياء، كما فعلت في قصة كان بطلها كرسي، الذي قد يكون هو وغيره من الشخوص رمزاً لشيء آخر، ثم يتحول الأمر إلى كلمات على الورق.. وتصير قصة. المجموعة الأولى "زهايمر" تضمنت ست قصص، واستغرقت كتابتها عامين، وكانت بالنسبة لي، تقول صالحة، بداية تشكل الوعي، أردت من خلالها أن أقول إن الفتاة التي هي أنا تحاول أن تكتب وستنضج في الوقت نفسه. وكل مجموعة قصصية تربط بين قصصها مبدأ أو قيمة ما، ف"زهايمر" كانت القيمة الرابطة بين قصصها هي الذاكرة، أما "ساعي السعادة"، وتضمنت أربع عشرة قصة، فكانت القيمة فيها هي النهايات المعكوسة، فليس كل ما تراه هو بالضرورة ما تراه! الإصدار الثالث كان تأملات أو مشاهدات، فالبطلة تتجول بين حياة القاهرة وتشاهد وتسمع وتسجل، وهي تأملات ومشاهدات دونتها الكاتبة في العام 2012 وبعد انتهاء المرحلة الانتخابية الرئاسية الأولى، فكتبت عن قاهرة القاهريين، لا قاهرة الخليجيين التي لا تحبها ولا تقصدها، لكنها وجدت أن القاهرة التي تحبها تغيرت كثيراً. وبعد طباعة هذه التأملات استغربها العديدون، الذي تعودوا صالحة غير مباشرة تكتب بالرموز، بينما كانت "الحياة على طريقة زوربا" بسيطة وتتضمن عبارات عامية يومية، ولذلك لم تصنفها أدبياً. إلى الآن لم تكتب صالحة الرواية، لأن الرواية كجنس أدبي هي بالنسبة لها مشروع إنساني تاريخي اجتماعي سياسي.. على سبيل المثال رواية مثل "عداء الطائرة الورقية" لخالد الحسيني، تعتبرها مشروعاً تأريخياً لأفغانستان في مرحلة تاريخية مهمة. والرواية بالنسبة إليها مشروع مؤجل لسببين، الأول هذه الفوضى أو هذا الزحام في المشهد الأدبي الإماراتي، فهي تفضل أن تنتظر حتى تتم "غربلة" هذا المشهد، لتفكر بعدها في العمل على روايتها.. وهو زحام ترى أن له سلبياته وإيجابياته، أما الإيجابيات فهي أن هناك أسماء حقيقية حصلت على فرصتها، وأما السلبيات فهي أن هناك أسماء تثير التساؤل: هل تضيف هذه الأسماء إلى المشروع الأدبي الإماراتي؟ والسبب الثاني أن كتابة الرواية مشروع لابد له من فكرة قوية، وعدد من الشخوص يعيشون معها فترة طويلة. تتأثر صالحة لجهة الوعي بالقصة كونها الجنس الأدبي الذي تمارسه، وتتأثر شعورياً بالشعر، فهو الذي يبقيها على قيد الحياة شعورياً، وإنسانياً تتأثر بالرواية، وهي تقرأ للجميع ولا تفضل كاتباً بعينه، إنما الذي يجذبها هو العنوان أو المسيرة الإنسانية للروائي أو الشاعر، مع الابتعاد عن الكتب والعناوين المثيرة للجدل، لأنها ترفض أن يتحول الكاتب أو الكتاب إلى موضوع للثرثرة. ولابد لمن تقرأ له أن تكون على دراية بمشروعه الأدبي، وما إذا كان ما ستقرأه له سيضيف إلى معرفتها بمشروعه هذا جديدأً. صالحة عبيد صالحة عبيد كونها أديبة إماراتية شابة، لم تمر صالحة بصعوبات سوى صعوبات داخلية، مرتبطة بكيفية خروج صوتها الأدبي بالشكل الصحيح.. كما أنها حتى الآن لم تكتب ما يسبب الصدام مع المجتمع حولها.. تقول: لا أستطيع أن أقول إن هناك صعوبات تواجه الأديب أو الأديبة الإماراتية، فالأمور سلسة وسهلة إلى حد كبير، دور النشر متوفرة، الخاصة والحكومية.. باستثناء صعوبة الوصول إلى الآخر أو القارئ غير الإماراتي خصوصاً، فهناك صورة نمطية عن الإنسان الإماراتي، أو بالأحرى لا توجد صورة واضحة عن هذا الإنسان! لأن الكائن الإماراتي لا يزال يتشكل ربما لحداثة عمر الدولة، ثلاثة وأربعين عاماً. وربما كان التوزيع الجيد للتعريف بالأديب الإماراتي، هو السبيل لتجاوز هذا العائق لدى القارئ العربي. كما أن هناك صعوبة وجود نقد موضوعي متخصص في الإمارات، يقدم قراءة نقدية تقرأ ما وراء النص، حيث إن هذا النوع تقريباً غير موجود، فما يقدم في الإمارات من نقد، إنما هو في معظمه قراءة صحفية أو عرض كتاب، تعرض فيه انطباعات قارئه وهو أمر خطير في النقد.. فزحام الكتاب لا يقابله ولا يعادله زحام النقاد! صالحة عبيد صالحة عبيد