تحدثت من قبل عن الفساد والأزمة الاقتصادية والجهل وكثرة المشاكل، ودورهم السلبي في عرقلة تقدم أي دولة، وأنا هنا أقول عرقلة وليس توقف كامل، الأمثلة التاريخية الكثيرة تؤكد أن كل ما سبق لن يكون عقبة، ربما يبطئ عملية الإصلاح، ربما يزيد من صعوبتها، لكن الأمر لن يكون مستحيلاً. هناك طريقتين، إما اختيار مشاكل محددة ومؤثرة بشكل عام على الدولة وتنفيذ خطة قومية لعلاجها واقتلاعها من جذورها في أقصر مدة ممكنة، أو العمل بنظام "فلنأخذ من كل رجل قبيلة" و"من كل أغنية فيلم" وهو الأسلوب الذي أراه أفضل وسريع التأثير. نعاني من مشكلة الشوارع الغير نظيفة، ما المانع لو تم الاهتمام بنظافة شارع واحد رئيسي في كل مدينة، شارع واحد فقط نظيف في كل شيء، أسفلت، رصيف، تشجير، عدم وجود أتربة، توقيع غرامة مالية على أي شخص يلقي مهملاته في الشارع، سلة مهملات، أعمدة إنارة، أماكن للراحة. نعاني من مشكلة الازدحام المروري، ما المانع لو تم تطبيق قوانين المرور كما قال الكتاب في شارع واحد فقط في كل مدينة، تواجد محترف لرجال المرور (محترف لا تعني بالتبعية مكثف)، استخدام تقنيات حديثة، إعطاء المارة حقهم في عبور الطريق، القضاء على ظاهرة عربات الكارو والتوكوك. نعاني من مشكلة في التعليم، ما المانع لو تم تطبيق نظام اليوم الكامل في مدرسة واحدة في كل مدينة، الحصة الدراسية تمتد لساعة ونصف ليتمكن المدرس من شرح المادة، المدرس موجود من بداية اليوم حتى نهايته، الطالب الذي يفصل يحرم من دخول الامتحان سنتين، تعليم بأحدث الوسائل، تغيير أسلوب التعليم ليتحول لتثقيف بعيداً عن الحفظ، لو حكم الأمر تكون لتلك المدارس امتحانات خاصة بها. نعاني من مشكلة الدروس الخصوصية، ما المانع لو تم تحديد منطقة ما من كل مدينة وجعلها خالية من مراكز الدروس الخصوصية، وتوقيع غرامات مالية على أصحابها، ومع الوقت يمكن توسيع نطاق هذه الدائرة لتشمل المدينة بأكملها. نعاني من مشكلة في الأمن، ما المانع لو تم تنشيط الدوريات الأمنية في منطقة أو حي واحد في كل مدينة، بحيث تصبح هذه المنطقة خالية من أية أعمال بلطجة أو سرقة أو قتل، مع الوقت وبالتدريج والتدريب والتعاون يتم توسعة النطاق ليشمل المدينة كلها. نعاني من مشكلة في الصحة، ما المانع لو تم تحسين الخدمة الطبية في مستشفى حكومي واحد في كل مدينة، يلقى فيه المريض الرعاية الصحية المطلوبة مع توافر العلاج والنظافة وحسن المعاملة وبتكلفة تتناسب مع غالبية المواطنين. نعاني مشكلة في تقبل الآخر، ما المانع لو تم تخصيص خطيب واحد في كل مدينة تكون مهمته في خطبة الجمعة (طوال العام) تعليم الناس صحيح الدين، لا أقصد هنا الحرام والحلال، بل يكون الهدف الأساسي من هذه الخطب تحسين وتقويم المعاملات الإنسانية. نعاني من مشكلة البطالة، ما المانع لو تم مساعدة خمسة شباب في كل مدينة لبدء مشروع خاص بهم، المساعدة لا تعني إقراضهم المال وتركهم لسوق العمل، المساعدة تعني وضع دراسة جدوى لهم ومساعدتهم فكريا قبل مادياً، وتقديم الخبرات لهم (ملناش دعوة بعريبات الخضار وسوق العبور). نعاني من مشكلة الجهل الثقافي، ما المانع لو تم تخصيص برنامج على الفضائية المصرية مهمته الأساسية زيادة الوعي الثقافي والسياسي والتاريخي عند المشاهد، الرقي بمستوى تفكيره العام، برنامج لا يهتم بالأحداث السياسية، برنامج لا يتبع التوجه السياسي العام للدولة، برنامج قائم عليه متخصصون هدفه الأول والأخير المصلحة العامة. نعاني من مشاكل أخرى كثيرة، ربما بعضها لن يفلح معه هذا الأسلوب، ربما البعض الآخر سيؤتي نتائج أكثر من المتوقع، في النهاية الكل مستفيد، في النهاية ذلك التطبيق المصغر سينتشر بالعدوى، إحنا شعب يعشق التقليد أكثر من عشقه للنادي الأهلي. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية