لا تلق بالا، عزيزي، لفيلق المعاتيه الذين يروجون لخبالات من قبيل أن الجيش المصري هزم الأسطول السادس الأمريكي الذي دخل المياه الإقليمية المصرية لمنع الإطاحة بحكم اليمين المتأسلم بقيادة جماعة الإخوان في نهايات يونيو 2013، وأن الجيش المصري، فوق ذلك، قد أسر قائد الأسطول، ويزيفون مضمون وثائق مثل كتاب هيلاري كلينتون لدعم افتراءاتهم. فهؤلاء مكانهم معازل من فارقتهم عقولهم، وينبغي ألا يضيّع من مازالوا يمتلكون قدراتهم العقلية كثير وقت أو اهتمام بهم. ولكن أظن أن هناك بعضا من البسطاء حسني الطوية والأبرياء سياسيا الذين يعتقدون عن اقتناع أن مصر، تحت نظام الحكم الراهن، وفي ظل رئيس وطني هومادة خام لزعيم بارز، يسانده جيش مصنّف، كميا، في المرتبة العاشرة على صعيد العالم، ويسعى لفتح آفاق جديدة لتنويع مصادر التسليح والذخيرة، يمكن أن يرقى بمصر لمكانة متميزة في عالم القرن الحادي والعشرين عمادها الاستقلال الوطني، وخصوصا تجاه الولاياتالمتحدة، أو أن يستعيد لمصر مكانة ستينيات القرن الماضي، على الأقل. لهؤلاء أزعم، مع شديد الأسى والأسف، أن مصرالرسمية ينتظر أن ستبقى في المستقبل المنظور تابعة للولايات المتحدة، وستبقى السلطة الحاكمة فيها مناصرة للمشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وإن ادعت غير ذلك، على الرغم من المشاعر الشعبية المناهضة لهذا المشروع. ويقوم الزعم على عديد من الأسباب الدولية والداخلية. ولن يتغير ذلك الموقف التابع إلا بنيل غايات الثورة الشعبية العظيمة، ومدخلهاالرئيس إقامة الحكم الديموقراطي السليم الذي يعبر عن الشعب المصري تعبيرا شفافا و أمينا، ووقتها سيظهر جليا أن مصالح الولاياتالمتحدة ونصرة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية تتعارض قطعيا مع مصالح شعب مصر الوطنية، ومن بينها الاستقلال الوطني والدفاع عن الحقوق العربية المغتصبة في فلسطين. ولكن، حتى ذلك الحين فستبقى مصر الرسمية، قطعا ما بقي الحكم العسكري الراهن أو حكم نظرائه من الحكم التسلطي الفاسد، خاضعة لنفوذ قوي من قبل الإدارة الأمريكية، ومن ربيبتها إسرائيل الغاصبة لحقوق العرب في فلسطين. وفيما يلي الأسباب من وجهة نظري. على الصعيد الدولي، لم يعد الاتحاد الروسي بقيادة بوتين، هو الاتحاد السوفييتي بقيادة خروتتشيف مثلا، الذي كان يتبنى أيديولوجية تزعم بناء الاشتراكية في عموم المعمورة، ويتبنى وينفذ سياسات معادية للاستعمار ومُناصرة لحركات التحرر في العالم أجمع. الآن الاتحاد الروسي، أيديولوجيا وسياسيا، ليس إلا نسخة، ربما مشوهة- بتفاقم التفاوت الطبقي وتفشي الفساد والجريمة المنظمة خاصة إبان حقبة التحول إلى الاقتصاد الرأسمالي، من الولاياتالمتحدة. ليس الاتحاد الروسي الآن إلا دولة رأسمالية لا تخفي أطماعا توسعية واستعمارية أحيانا، لا ننسى أفغانستان مثلا. وهي وإن كانت في صراع شرس الآن مع الولاياتالمتحدة وحلفائها في الإقلبم، وبسبب قضايا نفوذ إقليمي أخرى مثل الصراع على التحكم في أوكرانيا، فمحوره مصالح الاتحاد الروسي كما يراها قادة روسيا الجدد. ومصر أيضا لم تعد الدولة الصاعدة الآخذة بأسباب النهوض والتقدم، بقيادة زعيم تاريخي بلا منازع، من قامة جمال عبد الناصر، ليس فقط لمصر بل للأمة العربية جمعاء، ويعتبر أحد زعماء قلائل مبرزين لحركة التحرر العالمية، كما كانت ممثلة في حركة عدم الانحياز، حينئذ. والأهم, ربما، أن أي نظام حكم لابد له من ظهير مجتمعي يسانده ويسعى النظام بدوره لخدمة غايات هذا الظهير المساند له. وقد رفض الرئيس الحاكم دائما، بناء على تزيين كهنة الاستبداد، أن يكون له ظهير شعبي على صورة أحزاب سياسية، باعتباره "مرشح الضرورة". وهذا توجه محمود إن كان القصد منه أن يعبر الرئيس عن مجمل الشعب المصري ويعمل نظام حكمه على خدمة أهداف الشعب جميعه، أو على الأقل غالبيته الساحقة من الكادحين والمستضعفين، وعلى رأسها في نظري نيل غايات الثورة الشعبية العظيمة. ومن أسف أنني لا اري هذا التوجه قائما وأن الرئيس يمثل، ويرعى مصالح، تحالف مجتمعي محدد قوامه المؤسسة العسكرية، وعمدا لا أقول القوات المسلحة. إذ يبدو الآن أن العزوف عن وجود ظهير شعبي واسع ليس إلا تفضيلا لوجود ظهير مجتمعي فئوي، عماده تحالف المؤسسة العسكرية وكبار أصحاب الأموال (للتوضيح، أنا لا اعتبرهم رجال أعمال تنتج تخلق فرص عمل جيدة وترقى بالاقتصاد والناس) المرتبطة مصالحهم عضويا مع اقتصاد الولاياتالمتحدة وشركاتها العملاقة، في الداخل والخارج. إن قبلنا هذا التوصيف، فإن المصالح الأساسية لمثل هذا الظهير المجتمعي الفئوي، ومن ثم القرارات الرئيسة لنظام الحكم القائم عليه ستبقى، أزعم، في فلك الولاياتالمتحدة ومشروعها العالمي في الرأسمالية الاستغلااية ومشروعها في المنطقة العربية أي المشروع الصهيوني. أضف إلى هذا أن البلدان العربية أصحاب الأموال الداعمين للسلطة الحالية في الإقليم يدورون منذ زمن في فلك الولاياتالمتحدة ومشروعها الاستعماري، إلى حد الاستعداء على مصر في فترات الصعود الوطني المصري- هناك مثلا وثائق تثبت ضلوع السعودية في تدبير حرب 1967. ويرتبط بعض هؤلاء بعلاقات قوية، ومتزايدة، مع دولة اغتصاب الحق العربي ومخططاتها في المنطقة العربية، إما علانية او من وراء ستار ومن خلال وسطاء، منهم مصر الرسمية التي ترتبط بمعاهدة مع العدو الإسرائيلي في إهمال سافر لمشاعر الشعب المصري، الذي لا تخلو فيه أسرة من شهيد سقط في الحروب مع إسرائيل. تبقى كلمتان لتفسير الزعم السابق. جُل كبار أصحاب الأموال في مصر يرتبط بعلاقات اعتماد شبه كامل مع المصالح الأمريكية، وبعضهم خلقته من شبه عدم أموال المعونة الأمريكية التي كانت تحسب على الشعب المصري ولكن كانت تخصص نسبة كبيرة منها لدعم وإثراء رجال أعمال ناشئين بشرط قيام علاقة عضوية مع المصالح الأمريكية في المنطقة العربية(من قبيل استيراد السلع من كبريات الشركات الاحتكاربة الأمريكية أو العمل في مقاولات الحكومة والجيش الأمريكيين في المنطقة). ولا أريد ذكر أسماء أظنها معروفة للجميع. كما لم تستثمر الولاياتالمتحدة في مصر، منذ اتفاقية كامب ديفيد المشئومة، قدر استثمارها في المؤسسة العسكرية، بدليل ان المعونات العسكرية تضخمت إلى خمسة أضعاف المعونات الاقتصادية في السنوات الأخيرة. ولأطول من ثلاثين عاما مثّل السلاح الأمريكي عماد تسليح جيش مصر، وهو سلاح غير مطلق السراح ولكن استعماله مقيد بشروط أهمها أمن إسرائيل. ولا توجد قيادة بارزة في المؤسسة العسكرية المصرية لم تلتحق بدورات "تدريبية" و "مؤتمرات" فنية، يحرصون عليها في الولاياتالمتحدة عبر الفترة نفسها. وإن كانت هذه حال الظهير المجتمعي لسلطة الحكم الراهنة، يصح منطقيا الزعم المقدم. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية