أراقت المذيعة الأنيقة دمعتين فاهتزت أوتار الشبكة العنكبوتية بكم هائل من التعليقات والإعجاب برقتها ، وتمنى الرجال لو ربت كل منهم على قلبها الحاني ، وتغامزت النساء عن نوع " الماكياج " الذي صمد ولم يتأثر ؛ ونسي الجمع موضوع البرنامج أمام دموع الجميلة ! الحلقة كانت عن أطفال الشوارع الذين ناءت كواهلهم الغضة بعبء سنين قليل عددها ثقيل همها وحزنها ، وضرب الضيف مثلا بطفل جرى وراء رجل يتسول منه "حضنا " لأن والده توفي منذ سنة ومن بعده لم يضمه أحد لصدره !! فقط كان مطلب ذلك البرىء التعس مجرد ضمة ، بعدها مشى وترك الرجل غارقا في البكاء ولسان حاله يقول" أنا الذي أحتاج لحضنك يا بني ". أطفال الشوارع زهور ربيع منسية ملقاة تحت الكباري وبين الشقوق والجحور وفي الخرابات وداخل مكبات النفايات ؛ يقتاتون فضلات أطعمة تأباها الحيوانات والقوارض ، وجوه هزيلة وعيون مطفأة يصرخ فيها صمت الكلام ، أيديهم مرتعشة وقلوبهم وجلة ظمأى لمن يحنو عليها ، ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت فتجللت الأرض بأقدامهم العارية ، منهم ولد تمنى أن يكون طبيبا أو معلما ، وبنت حلمت بحب عذري أصبحت حبلى وامتلأ رحمها بجنين قادم لن يرحمها لأنه لا يفقه سر قدومه ولا يعلم كيف أنها أصبحت أمه بالإكراه . هم حصاد 40 سنة من مآسي لا تريد أن تبرح الوطن ولا أن يبرحها ؛ من فقر وبطالة وأزمة سكن وسوء رعاية صحية وتعليمية واجتماعية وأخلاقية ؛ أسر كاملة تقطن غرفة واحدة تهدر خصوصيات أفرادها كل ليلة ، تفكك أسري ويُتْم وتجمعات عشوائية تلفظ هؤلاء الأبناء الواحد تلو الآخر إلى الشارع صاغرين ليعيشوا بين رعبين ؛ رعب أسري ورعب الشارع بوحشيته حيث يقعون فريسة للإدمان والاغتصاب وعصابات التسول والبلطجة وتجارة الأعضاء البشرية ؛ في وقت ينشغل فيه الوطن دائما وأبدا بكل شيء وأي شيء إلاهم ، وبالأمس يحتفل العالم باليوم العالمي للطفل وأطفال شوارعنا تحتفي بهم أمراضهم الجسدية وعقدهم النفسية وكره وبغض وعدم انتماء لوطن أهملهم ناسيا ومتعمدا . حين قامت ثورة 25 يناير شاركوا بكل حماس في البلطجة والحرق والتحطيم بكل إخلاص وتفان ، تراهم كانوا يفقهون السياسة ويدركون معنى " الشعب يريد إسقاط النظام " أم وجدوها فرصة ثأر من مجتمع يحنو على كلابه ويتركهم فريسة للجوع والتشرد ؟ رفعنا لافتات وقامت مسيرات تندد بالتحرش الجنسي للفتيات وقام رئيس الدولة بزيارة إحداهن بالمستشفى ، ولم يلتفت أحد لنحو 2 مليون طفل شارع يتم الاعتداء عليهم جنسيا وجسديا عيانا بيانا ، فالكيل بمكيالين ديدننا وصراطنا الذي نأبى أن نحيد عنه . رفعت البرازيل ( المفترى عليها حين ادعى أحدهم أنها قتلتهم كالكلاب الضالة ) هي والهند شعار " الأطفال لا يريدون مؤسسة خيرية ، يريدون المستقبل " وعلى مدى 5 سنوات تعاونت وزاراتها المختصة بالصحة والإسكان والشئون الاجتماعية وممثلي المجتمع المدني ووفرت مساكن مناسبة لأسرهم ومشروعات صغيرة يتكسبون منها ونظاما تعليميا وصحيا ملائما وأنشطة ترفيهية ومأوى ليلي وطعام ومراكز تأهيلية لمن لا أسر لهم ومراكز العلاج من الإدمان ، أما إسلامنا الحنيف فقد صنفهم ضمن الفقراء وابن السبيل وهما من مصارف الزكاة ، وعلى مدار عهوده كانت الأوقاف تخصص لإعالتهم بل وتزويجهم اتساقا مع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يرحم صغيرنا " . لا أحب أن أقف في خانة البكائين على اللبن المسكوب ، بل أدعو للرقي والسمو بالوطن وتفعيل حملات التبرع الخيرية وانشاء مكاتب للاستشارات الأسرية ومراكز للتأهيل النفسي والاجتماعي لهؤلاء البائسين ، وأن يضطلع الإعلام بدوره في توعية الرأي العام بالتعاطف معهم وإدماجهم في مجتمع يستحق أن يحلموا فيه بمستقبل لهم وله ، فهم يستحقون الرعاية والاهتمام حتى لا يتطاول ليلهم وكي يتشقق فجرهم ليصدحوا " صفحنا عنك أيها الحزن ، صفحنا عنك أيها الوطن " وإلا فنحن من يستحق الإدانة . المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية