لم يبدأ اهتمامي بحال البلد سياسياً واقتصادياً إلا في أواخر عام 2008، وبداية الاهتمام لا تعني عدم وجود معرفة مسبقة أو اطلاع مسبق أو اقرار مسبق بالفساد الذي كان مستشري وقتها، الكل كان يعرف ويقر بفساد مبارك وحاشيته (كل عاقل على الأقل)، الفساد الذي ظهر في الأرض والبحر والزرع والنسل والماء والهواء. مع بداية الاهتمام وعدم ظهور أية أمال لرحيل مبارك، ومع تكون يقين بأنه في حالة الرحيل سيتولى جيمي رئاسة الجمهورية (رغم نفيه المسبق)، كان يسيطر على ذهني قول الله تعالى في سورة الرعد "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ومن هنا بدأت مقالاتي الصحفية التي كانت تأخذ طابع التنمية البشرية بأسلوب ساخر، في محاولة فردية لتقويم وتصحيح سلوكيات وعادات وأفكار وطباع المجتمع. فكرة رومانسية ربما تشبه المدينة الفاضلة للأستاذ الدكتور أفلاطون، لو المواطن اقتنع بحرمة وضرر الرشوة لن يصبح هناك فساد، لو المواطن اقتنع باحترام تعليمات المرور سيصبح هناك نظام، لو المواطن تعود على إتباع القوانين لن تكون هناك سرقة واختلاس، لو الموظف تعلم خدمة الوطن والمواطن سيختفي الروتين، بهذه الطريقة ينصلح حال الدولة دون تدخل النظام الحاكم (بدون ذكر أسماء الحزب الوطني)، بهذه الطريقة سيصل في يوم ما شخص صالح ليصبح محافظ، أو وزير أو رئيس حكومة، حتى لو ظل جيمي رئيساً للجمهورية. في يوم 12 فبراير 2011 خلق واقع جديد، والشعب أعطى انطباع بأنه مستعد للتغيير، وظهرت الحكمة الخالدة "انسف حمامك القديم"، وهي دعوة لنسف كل العادات والتقاليد الخاطئة والبالية لنبدأ معاً حياة جديدة من أول ونظيف، حياة جديدة بدأت بتنظيف ميدان التحرير، وكأن القدر أعطى للجميع (ولي بشكل شخصي) فرصة لتحقيق كل الآمال الأفلاطونية، وظهر للنور في إبريل من نفس العام كتابي الأول "فيش وتشبيه" الذي حمل بين صفحاته المقالات الساخرة التي كانت تتعشم إحداث تغيير في الواقع. استفتاء وانتخابات وأحداث وبرلمان ورئيس واستفتاء ودستور، ثم أحداث واستفتاء ودستور وانتخابات ورئيس وبرلمان، والواقع أخرج لسانه للجميع، وأظهر أسوأ ما فينا، ومن فينا، وما لنا، وما علينا، وأثبت أنه غير قابل للتعديل أو التغيير، حيث انتهت الحياة الجديدة كذلك مع الانتهاء من تنظيف الميدان، وثبت قول الحكيم تشونج شينج سانج "الواقع معروف بقوته معروف بجبروته". الآن أجد نفسي أعود للمربع صفر مرة أخرى، تعديل حال الدولة واصلاح ما بها من فساد في شتى المجالات يستلزم أولاُ تقويم وتصحيح سلوكيات وعادات وأفكار وطباع المجتمع، لكن التاريخ السياسي أثبت أن التغيير لن يحدث بمبادرة فردية، والأهم أنه لن يأتي من الأسفل، التقويم والتصحيح يأتي من الأعلى، من أعلى رأس في السلطة التنفيذية، الراس الكبيرة، البيج بوس، نمرة واحد. الآن أجد نفسي أعود للمربع صفر مرة أخرى، فما الحكمة من الإطاحة بنظام فاسد أو فاشل ليحل محله نظام أكثر فشلاً وأكثر فساداً، ما الحكمة من الإطاحة بنظام فاسد أو فاشل ليأتي نظام بعده يتاجر ويسرق ويقتل ويسجن ويخون الشباب النقي الذي لا يبتغي مصلحة شخصية، غيروا ما بأنفسكم أولاً، أشعلوا النار في الحقارة التي تملئ قلوبكم أولاً، تخلصوا من الكبر والغرور أولاً، تعودوا الصدق وتحمل المسئولية أولاً، محروق دي نخبة تجار ثورة على تجار دين على تجار وطن على تجار ديمقراطية انتساب. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية