أرستقراطية عسكرية تعلو "إرادة الشعب" .. وعلى الديمقراطية السلام "تعسف" أمني .. و"تواطؤ" قضائي لسحق المعارضين عبر إصدار لأحكام غاية في القسوة "الإخوان الضالين" والمؤسسة العسكرية شريكان في العزوف عن تحمل "الممارسة الديمقراطية السليمة" الدستور الجديد يرتب تعقيدات لمصر وللمؤسسة العسكرية وللسيسي شخصيا عبر تحصين "وزير الدفاع" حملات "تكليف السيسي" انتشرت كحشائش شيطانية بتحريك من أفراد وأجهزة واعلان عزوف الجيش عن السلطة كان "ستار دخان" -------------------- كان احتفائي بقرارات 3 يولية قويا وفوريا، في مقال نُشر في "الأهرام" بعنوان: "حماة الوطنية المصرية، شكرا"، قلت فيه فيما يتصل بالجيش المصري والشرطة ما يلي. إن النزوع التحرري العظيم للشعب المصري الذي تجسد في الخروج الشعبي الكاسح على سلطة اليمين المتأسلم للمطالبة باستكمال الثورة في مواجهة سلطة استبدادية تسندها تنظيمات متشددة لا تتورع عن اللجوء للعنف، وأدت إلى إحداث شرخ عميق في نسيج البلاد قسّم أبناء الوطن، بين موالاة ومعارضة متمترسين في حدود ضيقة، يبقى بحاجة لحماية تشمل الغاية والوسائل الكفيلة بنيل غاياته، وحماية جموع المصريين المنتفضين في هذه الموجة الثانية من الثورة جسديا ومعنويا بما يضمن استمرار النضال وتقليل الخسائر البشرية التي قد تقع من عُمد السلطة المنهارة تحت الضغط الشعبي الهائل ودعم قوات الشعب المسلحة، أو من قبل أشياعها من البسطاء المغرر بهم الذين يحرقونهم وقودا لمآربهم الدنيئة في تشنجات الانقضاء أو ما يسميه العامة "حلاوة الروح"، كمثل ما ينتاب الدجاجة بعد ذبحها. ومما يثلج الصدر أن هذا المد التحرري العظيم صاحبه عودة شرطة شعب مصر إلى عقيدتها الأصيلة ودورها الوطني السليم في حماية أمن الوطن والمواطنين، بفضل الشرفاء من أبناء شرطة شعب مصر، والذي تمثل أخيرا في قرار وزير الداخلية بإزالة الحواجز الخرسانية حول مقرات الوزارة بعد سقوط ما أسماه وبحق الحاجز النفسي بين الشرطة والشعب الذي بدأ في غمار وقائع الموجة الأولى من الثورة الشعبية، وعودة الشرطة لأحضان شعبها واحتضان الشعب لها بدوره. فعود حميد لشرطة شعب مصر لاستكمال تاريخها الوطني المجيد بعد انقطاع وقتي تسببت فيه محاولة الحكم التسلطي الفاسد تطويع جهاز الشرطة لتكون مهمته الأهم إن لم تكن الوحيدة، هي ضمان أمن الحاكم وعصبته، في سياق سعي سلطة الفساد والاستبداد لاستملاك الدولة والمجتمع لصالح مشروعها السياسي ومصالحها الخاصة بصرف النظر عن مصالح الوطن والمواطن. وفي هذه العودة المحمودة درس بليغ لجميع القوى الوطنية يتمحور حول خطأ إقصاء أي فصيل وطني أخطأ في مرحلة ما ثم عاد إلى جادة الصواب. ولكن هذا التصالح يجب ألا يمتد ليسقط القصاص الواجب، بناء على محاكمات عادلة وناجزة، على جرائم ارتكبت بحق الشعب والوطن، خاصة تلك التي لا تسقط بالتقادم مثل جرائم التعذيب النكراء. والحامي الرئيسي الثاني بل الأكبر، الذي نرحب بدورة الوطني هو القوات المسلحة لشعب مصر. ومن دواعي السرور والاحتفاء أن القوات المسلحة لشعب مصر تعود إلى الساحة الوطنية معلنة أنها لا تطمع في الحكم أو حتى في الانغماس كطرف أصيل في السياسة، وإنما فقط تتدخل لإنهاء الأزمة السياسية التي أمسكت بخناق البلاد بسبب العناد المريب والمكابر لسلطة الحكم الضالة. (لاحظ من فضلك، التركيز على إعلان قادة المؤسسة العسكرية عزوفها عن تولي حكم البلاد. ) ترفع عن مغنم الحكم عودة إلى الرسالة المفتوحة، جليّ أن المهمة الأولى- التطهرية- التي اعتبرتها في مقال الرسالة المفتوحة شرطا للمهمة الثانية- تدخل القوات المسلحة الجراحي لإصلاح السياسة في مصر مترفعة عن مغنم الحكم- لم تتحقق حتى وقت الكتابة، وتساورني شكوك قوية أنها يمكن أن تتحقق تحت السلطة الحاكمة الراهنة، بل على الأرجح سيتمر عوار التعمية عن المسئولين، خاصة من المؤسسة العسكرية، عن إيقاع الشهداء والمصابين في أحداث الثورة الشعبية، وربما تقريظهم ومكافأتهم، ماديا ومعنويا، للتعمية على ما ارتكبوا من جرائم في حق الشعب وحقوق الإنسان، كما حدث فعلا حتى الآن. كما أن تنفيذ المهمة الثانية، على الرغم من بشائر ابتدائية مريحة، شابه الكثير من الأخطاء والخطايا التي اعتورت المرحلة الانتقالية الثانية منذ يوليو 2013. وتكفي الإشارة إلى أن حكومة مؤقتة وغير منتخبة عينتها قيادة القوات المسلحة برئاسة قاض كبير أصدرت قرارات بقوانين تنتهك حقوق الإنسان وتخالف صراحة نصوص الدستور التي قامت على إعداده وتبنيه، وأعادت نفخ الروح في بنى الحكم التسلطي الفاسد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه. لعل اسوأ هذه القرارات ذكرا قانون التظاهر وإطلاق سقف الحبس الاحتياطي، وتحصين العقود التي تبرمها الحكومة ولو شابها فساد بيّن وقانون ممارسة الحقوق السياسية الذي يعيد برلمانات العهود البائدة. ومن أسف أن أجهزة الأمن قد تعسفت شديدا في تطبيق هذه القوانين وتجاوزت في ذلك ما أعادها إلى ممارسات تعد بين الأسباب المباشرة لاندلاع الموجتين الأولى والثانية من الثورة الشعبية العظيمة. ولا مناص من ذكر أن القضاء قد تواطأ مستغلا هذه القوانين لإصدار أحكام غاية في القسوة حتى صدرت أحكام بالإعدام بالجملة وبحبس شباب، من مختلف الانتماءات السياسية، لعشرات السنينفي محاكمات تفتقر لضمانات العدالة والإنصاف الدستورية والحقوقية العامة مثل ضمان حق الدفاع.لقد بدا وكأن القضاء مكوِّن من مخطط لسحق- ليس فقط فصيل سياسي بعينه بل وجميع المعارضين لسلطة المؤسسة العسكرية- يشنه جميع عناصر الدولة التي حكمت الفترة الانتقالية الثانية واستمرت مع انتخاب الرئيس الحالي بالتشديد على قسوة العقوبة للمخالفين للسلطة، بدلا من الحوار والفعل السياسي التفاوضي عماد الحكم الديموقراطي السليم. ومؤدى هاتين الملحوظتين أنني أوقن الآن أنني قد أفرطت في إحسان الظن بقيادات القوات المسلحة وبالرئيس المؤقت ورؤساء الوزارات الذين عينهم، وبأجهزة الأمن جميعا عندما عددتهم من حماة الوطنية المصرية وأنصار الثورة الشعبية في المقال الذي سبقت الإشارة له. (4) ومن ثم، في مطالع هذا العام 2014 نشرت مقالا في صحيفة "الوطن" بعنوان: "هل يكرر الجيش المسار السياسي للإخوان؟" بدأته باستعطاف القارئ "أن يؤجل الحكم على ما إذا كان عنوان المقال ضربا من الهذيان إلى النهاية." واقتطف منه الفقرات التالية، مع تحويرات قليلة. يلفت النظر أن المتحدث الرسمي بإسم القوات المسلحة أدلى منذ شهور بتصريح حاسم وقاطع مؤداه أن القوات المسلحة لن تقدم مرشحا للرئاسة ولن تدعم أي مرشح للرئاسة. ووقتها اجتذب هذا التصريح تقدير واحترام كثرة من المصريين، والكاتب من بينهم، حيث كان يعني تأكيدا أن تحرك القوات المسلحة لشعب مصر تأييدا للموجة الثانية الكبيرة من الثورة الشعبية العظيمة في يونية 2013 كان فعلا وطنيا خالصا خلوا من أي مصلحة ذاتية أو قفزا على السلطة من قبل قادة القوات المسلحة المصرية، بما ينفي تماما عن موقف القوات المسلحة في 3 يولية 2013 شبهة الانقلاب العسكري. والآن يظهر أن مثل هذا التصريح لم يكن إلا ستار دخان قصد به أن يعمي الأبصار عما يحاك بليلٍ، لاقتناص المؤسسة العسكرية للسلطة. ويكفي أن نقارن هذا الموقف المبدئي الشريف بمهرجانات التأييد- الفج في أحيان كثيرة- لترشيح الفريق-حينئذ- السيسي للرئاسة من قبل أشخاص محسوبين على المؤسسة العسكرية، أو حواشيها في الإعلام ومجالات أخرى خصوصا بعد أن أعلن الفريق أنه لن يترشح إلا بتأييد من الجيش. لاحظ الجيش وليس الشعب، في عودة مبطنة لمنطق تأييد الأهل والعشيرة وليس عموم الشعب. وذلك على الرغم، أو ربما بسبب، من قيام- أو هي إقامة؟- حركات كثيرة تستجدي الفريق أن يقبل التكليف التاريخي من "الشعب" ويترشح لمنصب الرئاسة. ولنتوقف هنا للحظة لنتساءل: هل سيمكن لأحد أيا كان أن يخضع الرجل إن أصبح رئيس مصر لأي مساءلة جادة، وهو يُطلب منه رئاسة البلد دون أن يقدم برنامجا أو أن يتعهد بإنجازات محددة. لا أظن! فالتكليف يأتي على صورة صك على بياض، وهذه دعوة للاستبداد لم نر في التاريخ بشرا يقدر على مقاومتها. والآن ألا يذكرّك كل هذا بموقف جماعة الإخوان الضالين من الترشح للرئاسة. نعم، بحذافيره تقريبا. تمنُّع ووعد بعدم الترشح ثم معارك تكسير عظام لاقتناص المنصب. وأفضى التمنّع الأولي إلى سعي محموم للإمساك بالمنصب وكل المناصب الأخرى المؤثرة في السياسة المصرية، استئثارا بجمع مراكز السلطة وإقصاء لجميع الآخرين منها فيما عرف بالتمكين أو الأخونة. إذن المؤسسة العسكرية، كالإخوان الضالين، لا تتورع عن التعمية في مجال السياسة التي لها أحكامها! وإن كان اليمين المتأسلم يتاجر بالدين وصولا لمآرب سياسية فالمؤسسة العسكرية لا مانع لديها من أن تتاجر بالوطنية، بمعنى حمل السلاح للدفاع عن الوطن، وصولا لمآرب سياسية. صحيح أن المؤسسة العسكرية وجماعة الإخوان كانا متضادان سياسيا في المرحلة الانتقالية الثانية منذ يولية 2013، وما زالا تحت حكم الرئيس السيسي، ولكن تأكيدا لم يكن الحال كذلك أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية الأولى. ولا يستحيل أن ينقلب الحال في المستقبل. فليس في السياسة عداوات دائمة. وبتجاوز النظرة السطحية يتبين أن أوجه الشبه بين الإخوان والقوات المسلحة أقوى مما يفرق بينهما. كل من الجهتين يمتلك قوة اقتصادية ضخمة وتنظيما حديديا يقوم على السمع والطاعة، الأمر من الأعلى والطاعة من الأدني. الإثنان إن شئت لهما سمات التظيمات ذات الطابع الديني أو العقيدي، ومن ثم يشتركان في العزوف عن تحمل الممارسة الديمقراطية السليمة التي تشترط حرية الرأي والتعبير وقبول الاختلاف. أضف إلى كل هذا أن المواجهة الحالية بين الجهتين لم تحقق نصرا حاسما للقوات المسلحة على الإخوان أو إرهابهم، على الأقل حتى وقت الكتابة. وتبقى مبادرات التصالح تطفو على السطح من دوائر متباينة من حين لآخر. وفي هذا ما يجعلنا لا نستبعد عودة التنافس بين الفريقين، على مواقع السلطة، في ظل الحكم التسلطي القاهر والمفقر للشعب، تماما كما كان الحال قبل اندلاع الموجة الأولى من الثورة الشعبية. ولكن في حالة المؤسسة العسكرية، يرتب إقرار الدستور الجديد، بسبب الوضع الاستثنائي للقوات المسلحة فيه، تعقيدات مستحدثة لمصر وللمؤسسة العسكرية وللرئيس السيسي شخصيا. وقد ينتهي كل هذا بسيطرة المؤسسة العسكرية على ساحة السياسة في مصر. وأهم مراكز القرار، أي منصب رئيس الدولة. والأرجح أن يتحول كل هذا إلى ارستقراطية عسكرية تُعلي المؤسسة العسكرية على إرادة الشعب. ووقتها قل على أي حلم بحكم ديمقراطي سليم السلام. وهذا هو وجه الشبه الأهم ربما بين المسارين السياسيين، ما يقابل في حالة الإخوان التمكين أو الأخونة. وقد تضمن الدستور الساري بذور هذا الاستعلاء العسكري، وهذا هو الخطأ القاتل للجنة الخمسين لتعديل الدستور- خاصة رئيسها ورئيس لجنة الصياغة، والإثنان كانا مرشحان لأدوار سياسية مهمة- في إهدار مدنية الدولة لصالح إقامة ارستقراطية عسكرية تحكم مصر في دولة عسكرية الطابع. إن السيسى رئيسا سيكون أول رئيس مصري لا يستطيع، بنص دستوري جازم كان مقصودا به أن يحميه هو شخصيا إن لم يرقَ لسدة الرئاسة، عزل وزير الدفاع، الذي لن يمنعه أحد بدوره من التطلع لمنصب الرجل الأول. ولم لا، وهو سيكون رئيس المؤسسة الأهم وستحوله الحصانة الدستورية من العزل إلى مركز قوة لا ينازع في السياسة المصرية ويستطيع تدعيم شبكة الولاء له داخل القوات المسلحة بالإغداق على أبناء المؤسسة خاصة وان ليس من رقيب من ممثلي الشعب على موازنة القوات المسلحة كما نص دستور لجنة الخمسين، في إحياء لأمثلة عبد الجكيم عامر وأبو غزالة. ناهيك عن أن انقلاب الطامحين من المؤسسة العسكرية على رؤسائهم، مدنيين أو عسكريين، أمر متواتر في مصر. وقد ينتهي كل هذا بأن يكون منصب الرئيس وقفا على وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة. وربما يشكل تمكين المؤسسة العسكرية من السياسة في مصر دعوة مفتوحة لعودة اليمين المتأسلم إلى الحلبة السياسية فالبديل سيكون دوما التهديد بعدم الاستقرار في مصر والمنطقة في عودة لمنطق المخلوع محمد حسني مبارك. (5) لقد زعم السيد رئيس لجنة كتابة الدستور أن الفريق السيسي لم يطلب تحصين منصب وزير الدفاع في دستو ر 2014. والرجل، مهما كيل له المديح على قدراته الدبلوماسية في إدارة لجنة تعديل الدستور، فقد كان من وجوه نظام محمد حسني مبارك ويعرف عنه أنه ضليع في إرضاء رغبات رؤسائه. وأنا أصدق الرجل في أن وزير الدفاع لم يطلب شخصيا تحصين المنصب في الدستور لسببين الأول أن الفريق السيسي لم يكن قد حسم أمره بشأن الترشح للرئاسة، ولو أن الأرجح أنه كان يضمر الترشح من دون أن يعلن حينئذ، ومن ثم كان مطلوبا تحصين منصب وزير الدفاع كنوع من التأمين إن منعته ظروف ما من الترشح للرئاسة. والثاني، والأهم، هو لماذا تطلب وأنت تعلم أن المداهنين والمتسلقين سيعطونك أكثر مما تطمح إليه من دون تجشم مشقة السؤال وتحمل تبعاته؟. أما الآن وقد وقع "الفاس في الراس" كما يقال، فإن تحصين منصب وزير الدفاع بنص دستوري جازم سيكون مشكلة ضخمة للسيسي رئيسا. وسيكون الصراع السياسي على رأس الدولة في مصر قاصرا من الآن فصاعدا على الرئيس العسكري ووزير الدفاع، العسكري أيضا. وهكذا دواليك. وقد يصل الأمر إلى حلم الإخوان بالحكم خمسمائة سنة قادمة، ولكن للمؤسسة العسكرية هذه المرة. وهنا مكمن العيب القاتل في سن الدساتير انطلاقا من أوضاع استثنائية وقتية بالافتئات على الأصول الدستورية والحقوقية الأصيلة. وأهمها قاطبة أن لا سيادة تعلو على إرادة الشعب. ثم رأينا أن إنكار رغبة المؤسسة العسكرية في اقتناص منصب الرئاسة بنص نطق وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي القائل بأن "حماية إرادة شعب مصر أشرف وأعز عندنا، وعندي شخصيا، من شرف حكم مصر"، تحول إلى سباق محموم من حملات سُميّت شعبية انتشرث كالحشائش الشيطانية. ويشي نموها الانفجاري بأن أحدا ما، أشخاصا او أجهزة، تحركها وتمولها، تحت غطاء "إجبار" السيسي على الترشح أو "تكليفه" بالترشح. ويلفت النظر ان هذه الحملات قد واكبها حملة إعلامية وإعلانية ترويجية قوية ليس فقط من المؤسسة العسكرية ولكن من أساطين الإعلام والإعلان المملوك أساسا لأصحاب أعمال ليسوا فوق مستوى الشبهات وإمبراطور الإعلان لصيق الصلة بالرئيس القادم حينئذ. وترافق ذلك مع سعي دؤوب لحبس الحقوق والحريات يستهدف قهر الآخر وإفراغ الطاقة الثورية للشبيبة. وإن قام على هذا المسعى رئيس مؤقت معين من المؤسسة العسكرية، ووزارات مؤقتة عينّها المُعينّ، فلا يخفى على فطن أن المرشح الرئاسي وقتها كان متخذ القرار الرئيس في حكم هذه المرحلةالانتقالية الثانية. ويمكن أن نرصد عدة أوجه للتشابه الشخصي بين عبد الفتاح السيسي ومحمد مرسي، مرشحا أو رئيسا، وبين جماعة الإخوان والمؤسسة العسكرية كتنظيمات تسعى للحكم أو تمارسه. بداية، جرى إعلان الفوز في الانتخابات الرئاسية المعنية في الحالتين قبل إشهار النتيجة الرسمية وحتى قبل أن تكتمل النتائج الفرعية. وأظن أن إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية قبل النتائج الرسمية معلم آخر للتماثل بين الطابع السياسي والتجربة السياسية لليمين المتأسلم والمؤسسة العسكرية، يشي بأن كل منهما يتصرف وكأنه يسيطر على العملية السياسية إلى حد الاحتكار وإقصاء الآخرين. وهكذا بدأت الولاية الثانية للمؤسسة العسكرية، وتحديدا المخابرات العسكرية، للعودة لحكم مصر رسميا في نظري في مايو 2014. منطق الأهل والعشيرة !! ثم بعد تنصيبه تحول كل منهما، مرسي والسيسي، إلى أن يكون أقرب إلى الاطمئنان إلى، والخدمة لمصالح، الأهل والعشيرة بدلا من عموم المصريين. مع الفارق طبعا، فمن الإخوان الضالين وحلفاؤهم وأنصارهم انتقل ميزان الانتماء إلى المؤسسة العسكرية والشرطة والقضاء وشخوص العصر الذي قامت الثورة الشعبية لإسقاطه. الأمر ليس بحاجة لتدليل في عصر حكم اليمين المتأسلم، أما بالنسبة للرئيس الحاكم من المؤسسة العسكرية فيكفي التمعن في المدعوين لاحتفالية التنصيب بقصر القبة والمشاركين في تظاهرة سباق الدراجات لتسويق الرئيس وبدء تشكل بطانة للرئيس الجديد تتكون أساسا من العسكريين وتوافه الممثلين والمغنين والمتاجرين بكرة القدم، حتى لا أسميهم الرياضيين كما ينتشر خلطا، وليست ببطانة مختلفة عما كان يحيط برؤوس النظام الذي قامت الثورة الشعبية لإسقاطه بداية. والمدقق يتبين أن الرئيسين لم يختلفا كثيرا في كنه الفئات المجتمعية الرئيسية التي أسسا عليها حكمهما: الأغنياء والأقوياء، وإن اختلفت الشخوص والأسماء بين المرحلتين، وعلى حساب الفقراء والضعفاء. وفوق ذلك، فإن كل من الرجلين أعلن قبل تنصيبه أنه لن ينتظر خروج مظاهرات شعبية ضده لكي يتخلى عن السلطة. غير أن الرجلين، كليهما، بعد ان أمسى على رأس السلطة تمسك بشرعية صندوق الانتخاب، ما أدراك ما صندوق الانتخاب في البلدان الواقعة تحت الحكم التسلطي، وأهدر القيمة السياسية لفعل التظاهر الشعبي، على الرغم من أن كليهما، خاصة السيسي، وصل إلى السلطة أصلا على أكتاف المتظاهرين من جموع الشعب. في حالة السيسي، استمرت مظاهرات تيار اليمين المتأسلم ضده لمدة عام قبل توليه منصب الرئاسة وتصاعدت بعدها. ولكن أيضا تكاثر عقد المؤتمرات المناهضة والتظاهر ضد مظالم عهده التي طالت جميع التيارات السياسية الوصولية غير المنضوية تحت نظامه، وتأججت ما تسميه السلطة الاستبدادية الاحتجاجات الفئؤية المعبرة عن اشتداد الظلم الاجتماعي، فعادت بعد توليه مُذكرّة بالأيام الأخيرة في عهد محمد حسني مبارك، الذي تواترت التكهنات عن قرب صدور عفو رئاسي عنه من مرؤوسه السابق (فمبارك هو من عين الرئيس الحالي رئيسا للمخابرات الحربية). رابط الحلقة الأولى http://almashhad.net/Articles/896697.aspx د. نادر فرجاني د. نادر فرجاني المقال كاملا في المشهد الأسبوعي .. اليوم لدى الباعة المقال المنشور في المشهد الأسبوعي المقال المنشور في المشهد الأسبوعي