بدت شوارع القاهرة، خالية تمامًا من مظاهر الانتخابات، ذلك العرس الذى ناضل المصريون من اجله كثيرًا، وراح فى سبيله آلاف الشهداء. قبل ساعة واحدة من بدء عملية التصويت لا يزال الهدوء سيد الموقف، وتنعم شوارع العاصمة بسيولة مرورية غير مسبوقة، فى الوقت الذى يخيم الصمت على 90% من مراكز التصويت، فيما يوجد أمام عدد قليل من اللجان بضعة اشخاص لا يتعدون اصابع اليد الواحدة امام كل لجنة فى انتظار وصول القضاة لانطلاق التصويت. يأتى ذلك على العكس تمامًا من المشهد ذاته فى الانتخابات البرلمانية، حيث اصطف الآلاف مع شروق الشمس فى طوابير طويلة انتظارًا للتصويت. الغريب فى الامر ان الموجودين امام اللجان من كبار السن، وليسوا من الشباب كما كان متوقعًا، وقفوا يتجاذبون أطراف الحديث يمنّون انفسهم بانتهاء الانتخابات على خير حتى يعود الاستقرار ولتدور عجلة الحياة من جديد. ويعود تاريخ الانتخابات فى مصر إلى عام 1956 بعد إلغاء الملكية عندما تم انتخاب الرئيس جمال عبدالناصر كثانى رئيس للجمهورية في 23 يوليو 1956، وأول رئيس فعلي له سلطات بعد أن تم تعيين اللواء محمد نجيب كأول رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952، ومنذ ذلك الحين اتبعت مصر نظام الاستفتاء لاختيار رئيس الجمهورية من شخص واحد مرشح كان فى الغالب هو الرئيس. ويقوم هذا النظام على ترشيح عدد من أعضاء التنظيم السياسي الواحد في ذلك الوقت (الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي)، داخل البرلمان لشخص واحد، باعتباره مرشحا لرئاسة الجمهورية، يجري التصويت عليه داخل البرلمان بالموافقة، ثم يجري استفتاء شعبي عليه. ومنذ بدء هذا النظام (الاستفتاء) لاختيار رئيس الجمهورية عام 1952، جرت تسعة 9 استفتاءات رئاسية، حكم فيها مصر فعليا 3 رؤساء فقط هم: جمال عبد الناصر الذى جرى في عهده ثلاثة استفتاءات.. وأنور السادات (استفتاءان).. وحسني مبارك (4 استفتاءات). وبعد تعديل المادة 76 من الدستور المصري في (فبراير) 2005، وإقرار قانون جديد لانتخابات رئاسة الجمهورية في مصر ألغى الاستفتاء على شخص المرشح الواحد، وتم تغيير طريقة انتخاب رئيس الدولة من "الاستفتاء" إلى "الانتخاب الحر التعددي" بين أكثر من مرشح، ودخلت مصر نادي الدول العربية التي يجري فيها انتخاب رئيس الدولة بالانتخاب الحر بين أكثر من مرشح. يذكر أن هناك 7 دول عربية من أصل 22 دولة تتبع نظام الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح ، وقد شهدت الفترة الممتدة من 23 (يوليو) 1952، موعد قيام الثورة وبدء تغيير النظام السياسي من ملكي إلى جمهوري، حتى اغتيال الرئيس أنور السادات في 6 (أكتوبر) عام 1981 /أي خلال 29 عاما/ ثمانية دساتير وإعلانات وتعديلات دستورية، ارتبط بعضها بإجراء انتخابات جديدة ، وذلك بمعدل تغيير دستوري كل ثلاثة أعوام ونصف في المتوسط، مما يعكس، كما يقول الدكتور إكرام بدر الدين في كتابه "تجربة الديمقراطية في مصر1970-1981"، وهو ما يكشف عن ارتفاع مؤشر عدم الاستقرار للحياة الدستورية، لأنه في كثير من الأحيان كان التعديل أو التغيير الدستوري مواكبا لتغيير وزاري أو لحل البرلمان. ويمكن حصر هذه الدساتير والإعلانات الرئاسية على النحو التالي: 1- الإعلان الدستوري لفترة الانتقال الصادر عن مجلس قيادة الثورة في 10 فبراير 1953 لتنظيم الحياة الدستورية والسياسية في البلاد، خلال فترة الانتقال، التي حددت بثلاثة أعوام، تنتهي في (يناير) 1956. 2- الدستور المؤقت لعام 1956 والذي تم الاستفتاء عليه في 23 يوليو 1956. 3- الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة، الذي صدر بقرار جمهوري في 5 مارس 1958 عقب الوحدة بين مصر وسوريا. 4- الإعلان الدستوري في عام 1962، والذي صدر بموجب قرار جمهوري في 27 سبتمبر 1962 بعد عام من الانفصال عن سوريا وفشل تجربة الوحدة . 5- الدستور المؤقت لسنة 1964 والصادر بموجب قرار جمهوري في 23 مارس 1964. 6- الإعلان الدستوري في 1969 والصادر بموجب قرار جمهوري في 7 يناير 1969. 7- الدستور الدائم لعام 1971، الذي طرح على الاستفتاء العام في 11 سبتمبر 1971، ووافق عليه الشعب بما يشبه الإجماع. 8- التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها في استفتاء شعبي في 22 مايو 1980، حين تم تعديل المادة 2 فاستبدلت النص الذي يعتبر "مبادىء الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا في التشريع" إلى النص على أن "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وتعديل المادة 5 من الدستور لكي تنص على قيام التنظيم السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب، وتعديل المادة 77 من الدستور، التي كانت تنص قبل التعديل على أن مدة رئاسة الجمهورية هي 6 سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، لتنص على أنه يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة، دون تحديد لعدد مرات الرئاسة. وبذلك صارت المادة 77 المعدلة لتنص على أن مدة رئاسة الجمهورية 6 سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء، ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدد أخرى، وهي المادة التي استفاد منها الرئيس السابق حسني مبارك، حيث تولى الحكم أربع فترات على التوالي، بموجب أربعة استفتاءات.