تبدأ اليوم الأحد الانتخابات الرئاسية التركية، مع توقعات كبيرة بفوز رئيس الوزراء التركي "رجب طيب اردوغان"، الذي طالما أعرب عن امانيه أن تمر الذكرى المئوية الأولى لتأسيس تركيا الأتاتوركية، والتي ستكون في العام 2023، وهو رئيسا لتركيا، وتأتي هذه الانتخابات وسط مخاوف العلمانيين المتصاعدة جراء نوايا اردوغان المهددة لتركياالكمالية. وكان اردوغان قد عدل من الدستور لتأتي الانتخابات الرئاسية بتمثيل شعبي مباشر من خلال الانتخابات، لتكون الفترة الرئاسية مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، وليس انتخابا شرفيا عن طريق البرلمان لفترة رئاسية واحدة مدتها سبع سنين. ويخوض اردوغان، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، سباق الرئاسة مع المرشّحين "إحسان أوغلو"، الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي والمرشح التوافقي لعدد من أحزاب المعارضة، أبرزها "الشعب الجمهوري"، وطالحركة القومية"، أكبر حزبين معارضين، والمرشح الكردي "صلاح ديميرتاش" مرشح حزب "الشعوب الديمقراطي". ويخشى منافسا أردوغان من أن يمنح النظام الرئاسي، على النمط التنفيذي، مزيدا من السلطات لشخص يتهمونه بأنه أصبح مستبدا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وسيشكل فوز أردوغان في الجولة الأولى عاملا مهما يتيح له تحقيق هدفه الخاص بإجراء تغييرات دستورية لدعم الرئاسة. ويذكر أن، تركيا تعتمد على دستور عام 1982، وهو الدستور الذي سنّ عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 12 سبتمبر 1980. وهو رابع دستور أسس لجمهورية تعتمد النظام البرلماني القائم على الفصل بين السلطات، والذي يحدد دور رئيس الدولة بالحكم بفيتو محدد جدا، وبتعيين كبار رجال الدولة خاصة في الجانب الإداري. وإلى هذا، فقد لمّح اردوغان إلى إمكانية تغيير النظام المعمول به في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وذلك من خلال تصريحات كان قد أدلى بها في برنامج "الأجندة الخاصة" حيث قال أن "الرئيس التركي الجديد الذي سيختاره الشعب بنفسه، بعد انتخابه سيصبح في مكانة تجعله يتخذ قررا بشكل أقوى حول مسألة صلاحياته الدستورية، فقد يمكنه تغيير النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي، والشعب هو الذي سيقرر هذا"، وهو الأمر الذي يعني انه في حالة فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية فإنه سيعمل عاجلا على تسوية العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة ومجلس الوزراء والبرلمان . وأضاف اردوغان للبرنامج قائلا "أنا أرى أن تركيا ستكون أفضل إذا ما انتقلت إلى النظام الرئاسي، وستكون مختلفة عن ذي قبل"، مشيرا إلى أن كل من الرئيس الثامن "تورغوت اوزال"، والتاسع "سليمان ديميرل" كانا قد اقترحا فكرة نظام نصف رئاسي، ولكن المعارضة رفضت، مشددا على ان "عهد الانقلابات قد مُحي من قاموس تركيا." وشهدت شعبية أردوغان تراجعا منذ مظاهرات منتزه "غيزي بارك" يونيو 2013، والتي تم قمعها بقوة فاجأت الجميع داخل تركيا وخارجها، كما تلطخت سمعته عندما تم الكشف عن تورطه في قضايا فساد مالي غير مسبوقة خلال الشتاء الماضي الأمر الذي هز فعليا أركان نظامه، حيث كشفت تسجيلات هاتفية أن اردوغان عرّاب يبتز الرشاوى من أرباب العمل، و أنه مستبد يفرض ما يريده على وسائل الإعلام. وأدت الإجراءات الالتي اتبعتها الحكومة التركية ضد ما اسمته ب"الدولة الموازية المتغلغلة داخل الحكومة التركية"، والتي تعززت باعتقال وتسريح مئات الضباط، الى احتقان سياسي، وبالرغم من ذلك يعلن رئيس الوزراء التركي وحزب العدالة والتنمية اصرارهما على الاستمرار في نفس النهج في حال الفوز بالانتخابات. وزاد من الاحتقان الخلاف الكبير المعلن بين أردوغان وحزبه من جهة، والمحكمة الدستورية ونقابات عديدة أبرزها نقابة المحامين من جهة أخرى، وذلك على خلفية تعديل قانون مجلس القضاء لتكون قراراته تابعة لوزير العدل والحكومة، وهو ما اعتبر تدخلا للحكومة في الحريات العامة والخاصة. ويقول "كمال كيليجدار أوغلو" وهو من أبرز معارضي أردوغان " لقد فقد اردوغان نهائيا أي شرعية لحكم البلاد"، ولكن رئيس الوزراء الذي يصفه منافسوه ومؤيدوه أحيانا بأنه "سلطان جديد" لم يستسلم، وذلك لثقته بقدرته الانتخابية، فهاجم الحملات المثارة ضده عبر استئناف استراتيجيته المفضلة، وهي لعب دور الضحية. وفي28مارس الماضي، جاءت انتخابات البلدية ليحصل فيها حزب العدالة والتنمية على 43% من الاصوات، متجاوزا ما كان قد حصل عليه في انتخابات البلدية السابقة، والتي حصل فيها على 39%، ما يؤشر على ان تركياتسير بعيدا عن الديمقراطية وحكم القانون مع فترة جديدة من حكم إسلاميي تركيا. تمثل الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا مسلكا خطيرا يحدد مستقبل الدولة التركية ويضع ملامح دورها الإقليمي وبوصلتها واتجاهاتها خلال المرحلة القادمة. وتتخوف المعارضة العلمانية من أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يعمل على إلغاء سياسة الفصل بين الدين والدولة التي اعتمدها مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. ويذكر أنه خلال الأعوام العشرة التي قضاها رئيسا للوزراء قلّص أردوغان نفوذ النخبة العلمانية التي هيمنت منذ أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية الحديثة على أنقاض الدولة العثمانية في عام 1923.