للمرأة أسلحة كثيرة تستخدم كلا منها في المعركة التي تخوضها مع الرجل لتحصل على ما تريد وتحقق رغبتها المتأججة في صدرها. من هذه الأسلحة سلاح الدموع.. فهي ذات قدرة عجيبة على إرسال الدمع مدرارا إذا وقعت في مآزق أو طلبت شيئًا عسير المنال ومنها سلاح التمنع والدلال إذا كانت تريد أن تثير في الرجل غرائزه وعواطفه ومنها سلاح التبرج والسفور إذا أرادت أن تكون محط أنظار الرجال وموضع إعجابهم ومثار اهتمامهم. ومنها سلاح التمارض إذا شاءت أن تهز في الرجل مشاعر العطف والشفقة والرحمة. ومنها سلاح الابتسامة إذا أرادت أن تستحوذ على الرجل وتسيطر عليه ومنها سلاح الخداع إذا أزمعت أن تخون الرجل وتضحك عليه وتهزأ به ومنها سلاح الكلمات المعسولة إذا أرادت أن توقع الرجل في شراك غرامها. ومنها سلاح الاستفزاز إذا سولت لها نفسها أن تنتقم من أحد.. وعندما نقرأ قصة الربيع بن الخثيم ستتعرف أي سلاح اتخذته هذه المرأة لكي تفتن هذا العابد الزاهد الذي عرف بورعه وصدقه في تقربه إلى الله سبحانه وتعالى، هذا العابد الذي أحست أمه بالقلق من كثرة تضرعه ومناجاته ربه حتى اشتد نحيبه والناس نيام فجعلت تناديه قائلة : ما بك يا بنى؟ هل أتيت شيئًا يغضب الله؟ فقال نعم يا أمي، لقد قتلت نفسًا فخافت الام وقالت: ومن هذا يا بنى حتى نطلب العفو من أهله وذويه؟ والله لو علم أهله ما تعانى من البكاء والسهر لرحموك : فقال: لا يا أمى لا تكلمى أحدًا، فإني قتلت نفسي لقد قتلتها بالذنوب. إلى هذا الحد من الصدق كان زهد الربيع بن خثيم في نفسه ومعاقبته إياها ولقد وصفه شيوخ الرواة ممن عاصروه أو جالسوا معاصريه بأنه المخبث الورع، المتشبت القانع الحافظ لسره، الضابط لجهره، المعترف بذنبه الفقير إلى ربه. ولقد نشأ الربيع منذ طفولته على تقوى الله عز وجل وطاعته، فلم تكن الدنيا بما عليها ذات شأن في حسابه، فزهد بمتاعها ورغب جهاد نفسه عن هذا المتاع، فكان صامتًا متفكرًا صوامًا قوامًا، صاحب محراب، صادقًا تبدو في جنباته مناجاة المستغفر، وتفيض منه دموع التائب. وحاول إبليس لعنه الله أن يثير قومه عليه فبينما كان الربيع في مجلسه يسأله تلاميذه وهو يجيب جاءه ابنه يقول: لقد سرق اللصوص فرسك يأبى فلم يحرك ساكنًا وأومأ لابنه برأسه أي بمعنى قد علمت فاذهب وشأنك فقال من في المجلس: أدع الله على السارق يا أبا يزيد، فقال: بل أدعو الله له. وكان في المجلس رجل يدعى بلال من المنذر راح يكلم نفسه ويقول:ألا يأت بسيئة أبدًا هذا الرجل فسمعه أخر قريب منه فقال له يا بلال: إن لم استخرج اليوم شيئا من الربيع بن خثيم لم يستخرجه منه أحد قبلي فقل يا بلال ما تقول: فقال بلال:وكيف يا رجل فنظر الرجل إلى الربيع بن خثيم وقال: يا أبا يزيد قتل الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فقال الربيع: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم تلا الآية الكريمة (قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) قال بلال لصاحبه: لم يخطئ يا رجل انه أورع رجل في الكوفة وأفقه علمائها فقال الرجل: انظر في قليلا سأعاجله بالسؤال فيخطئ ثم بادره قائلا: ولكن ما تقول في مقتل ابن فاطمة بنت محمد اليوم؟ قال الربيع: ما أقول إلا إلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم. فضحك بلال بن المنذر ونظر إلى صاحبه السائل نظرة المشفق، وبينما هم على هذه الحال سمع بلال الشيخ يقول له ما جاء بكم هنا يا بلال؟ فقال جئنا لتحمد الله ونحمده معك وتذكر الله فنذكره معك: قال الربيع الحمد لله إذ لم تأتوني تقولون جئناك تشرب فنشرب معك وتزني فنزني معك. وقد فشلت محاولة إبليس في إضرار الربيع بن خثيم فأشار على قومه أن يأتوا إليه بامرأة جميلة لعلها تفتنه فلا اشد على الرجال من فتنة النساء وفى ذات اليوم أمر بعض الرجال امرأة ذات جمال بارع أن تفرض للربيع لعلها تفتنه وإذا نجحت فيما ذهبت إليه لها مكافأة ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهى سافرة فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو نزل بك ملك الموت فقطع مثل حبل الوثين؟ أم كيف بك لو سالك منكر ونكير؟ فصرخت المرأة صرخة فخرجت مغشيًا عليها فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق. هكذا أرسلها إبليس لتفتن العابد الزاهد ابن الخثيم فردها امرأة صالحة ورد كيد الشيطان. وهذه هي صفة الأتقياء الذين زادهم هو التسبيح والتهليل والتكبير فكيف يتجرأ إبليس على عباد الله المخلصين الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم ( من يتقى الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب). لقد صار الربيع على نهج رسول اله صلى الله عليه وسلم الذي كان قدوته الحسنة وتأس بصحابته وعلم أن الذنب مهما كان صغيرًا فهو عند الله كبير وفى هذا المقام يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال: لا يغرنكم قول الله عز وجل: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) فإن السيئة وان كانت واحدة فأنها تتبعها عشر خصال مذمومة أولها: إذا أذنب العبد ذنبًا، فقد أسخط الله وهو قادر عليه، والثانية انه فرح إبليس لعنه الله والثالثة: انه تباعد من الجنة، والرابعة انه تقرب من النار، والخامسة: انه قد أذى أحب الأشياء إليه وهى نفسه والسادسة: انه بخس نفسه وقد كان طاهرا، والسابعة: انه قد أذى الحفظة والثامنة انه قد أحزن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره والتاسعة انه اشهد على نفسه السماوات والأرض وجميع المخلوقات بالعصاية والعاشرة: أنه خان جميع الآدميين، وعصى رب العالمين.