هل يستقبل العرب شهر رمضان المبارك دون أن يستقبلون الفانوس؟ بالطبع لا ... فالفانونس أصبح منذ أزمان بعيدة مظهراً أساسياً من مظاهر رمضان ومشاركاً رئيسياً في لياليه واحتفالات الجميع به أطفالاً وكباراً. حتى مع تطورات الحياة والهجمة التكنولوجية الشرسة في الربع الأخير من القرن العشرين، فإن الفانوس مازال رمزاً من رموز الشهر الكريم، وما اختلاف هيئته وأشكاله ونماذجه وتصميماته وخامات تصنيعه إلا اختلاف أجيال وأفكار دون أن يمس ذلك جوهر الوجود الفعلي للفانوس داجل مجتمعاتنا على تباين اقتصادياتها! إلا أن الفانوس لم تكن وظيفته في البداية متعلقة برمضان مطلقاً، فأول استخداماته كانت في صدر الإسلام لإضاءة الليالي في تحركات الناس للذهاب إلى المساجد أو في حياتهم العادية. أما ارتباط الفانوس برمضان، فتعددت روايات المؤرخون فيه، منها أنه أثناء خروج أحد الخلفاء الفاطميين لاستطلاع هلال رمضان ليلة الرؤية كان الأطفال يمشون وراءه حاملين فوانيسهم مغنِّين لاعبين معبِّرين عن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم، فأصبحت عادة يرتبط فيها الفانوني بالأطفال ورمضان معاً. ورواية ثانية أن أراد أحد الخلفاء في العصر الفاطمي إضاءة شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر بتعليق فوانيس يتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها في الطرق، فوُلدت العلاقة بين الفانوس والشهر العظيم. ورواية ثالثة أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا في شهر رمضان وكان يسبقهن غلام يحمل فانوساً لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا، وبهذا كانت النساء تستمتعن بالخروج وفى نفس الوقت لا يراهن الرجال، وبعد أن أصبح للسيدات حرية الخروج في أي وقت، ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويغنون. ورواية أخرى تتزامن مع يوم الخامس من رمضان سنة 358 هجرية، وهي وقت وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله مدينة القاهرة، إذ خرج أهالي القاهرة في حشد كبير شمل الرجال والنساء والأطفال، على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب به، وكان الوقت ليلاً فكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزيَّنة لإضاءة الطريق إليه، وبقيت الفوانيس تضئ الشوارع حتى آخر شهر رمضان، فأصبحت عادة يلتزم بها كل المصريون سنوياً إدارة ورعية. وأياً كانت الروايات، فإن مرجعها كلها إلى عصر الدولة الفاطمية، وأن المصريين أول من عرف فانوس رمضان جامعين بينهما إلى أن يشاء الله، وحتى تحول الفانوس إلى تقليد ضارب في العادات الرمضانية ومظهر دائم الحضور في مجتمع رمضان ولياليه واحتفالاته، ليس في مصر وحدها بل في العالم العربي والإسلامي وأرجاء المعمورة، بل وكان موضوع دراسات بحثية ورسائل علمية عن فكرته وتاريخه ووجوده في الشهر الرمضاني المعظم. [email protected]