مسافة الاختلاف بين "حركة التحرير الفلسطينية فتح" و"حركة المقاومة الإسلامية حماس" تلخص كل الانحراف الذي تم على خط النضال الفلسطيني ، ولا أشك للحظة واحدة أنها كانت برعاية صهيونية للأسف . إن قضايا التحرر الوطني لا تحتمل الالتباس ، ولا تعرف الانتماء المزدوج ، ولا يضيع فيها الخط الفاصل بين قرارها المستقل وتأييد الآخرين ومساعدات الآخرين لها . وكل هذا لا وجود له لدى حماس . والنظر في اسم حماس : "حركة المقاومة الإسلامية يدل دلالة مباشرة على أن قضية التحرر عندها ليست وطنية مطلقا ، فالصفة الموصوفة بها أعم بكثير من صفة "الوطني" ، وجغرافيتها أوسع كثيرا جدا من حدود فلسطين التاريخية ، وليس فقط حدود الضفة والقطاع التي تقلصت إليها ، هذا فضلا عن غياب كلمة "التحرر" وحضور "المقاومة" بدلا منها ، وكأنها مقاومة وحسب وبلا اي أفق سياسي ، وهي كذلك فعلا . تنتمي حماس لحركة الإخوان المسلمين (حاخام ، نعم هذا رمزها الحقيقي) التي أسسها الاستعمار البريطاني في مصر (1928) والذي أسس الدولة الصهيونية في فلسطين (1948) ، وبغض النظر عن مشاركة حركة حاخام (حركة الإخوان المسلمين) في حرب 1948 التي لم تقدم فيها شهيدا واحدا ، إذ ذهبت إلى هناك للتدريب على القتال الفعلي فحسب تمهيدا لمشروعها الإرهابي في مصر حيث كانت قد بدأته فعلا بمجموعة من التفجيرات والاغتيالات في القاهرة ، ولم يبق لتنظيمها المسلح غير تجربة القتال الفعلي على الأرض .. بغض النظر عن هذا ، فالسؤال الذي تجيب عنه الأحداث الجارية الآن هو : كيف تمهد بريطانيا لقيام الدولة الصهيونية بإنشاء حركة "حاخام" حركة الإخوان المسلمين !! التمهيد نفسه قامت به الدولة الصهيونية ، فقبل إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من جنوبلبنان بدأ توظيف وجود حركة "حاخام" في غزة ، لتنشأ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ، فرع الإخوان المسلمين فيها . وما هي إلا سنوات وتوافق الدولة الصهيونية على عودة قيادات المنظمة المنفية في تونس وبعض قواتها ، لينشأ الصراع بين ما هو وطني وما هو إسلامي ، وصولا إلى انقلاب "حماس" على السلطة ، ويتم نفي ما هو وطني إلى الضفة الغربية واستيلاء الإسلامي على غزة ، ويصبح الانفصال الجغرافي بين الضفة والقطاع انقساما سياسيا في الصف الفلسطيني شعبا وفصائل . وكأن المطلوب أن يكون فرع حركة "حاخام" على اتصال جغرافي مع الحركة الأم في مصر ، ليصبح معبر الأفراد في رفح قضية فلسطينية ، متطورا ليكون كل القضية الفلسطينية من وجهة نظر حماس . إلى حد يكون معه تدويل المعبر شرطا لحماس على مصر لوقف عدوان الكيان الصهيوني على غزة . ليس ثمة تناقض بين أن يعتدي هذا الكيان على غزة بينما تضع حماس الشروط على مصر . فهذا التناقض ينحل تماما لو وضعنا باعتبارنا مجمل الأحداث السياسية بعد 2011 إلى الآن ، من صعود حركة "حاخام" إلى سدة الحكم في مصر ، ثم الثورة الشعبية عليها وعلى حكمها ودخولها السجون وبناء نظام سياسي مدني جديد . وبعد كل الإجراءات التي أخذها الجيش المصري ، سواء لتطهير سيناء من الإرهابيين الذين حشدتهم حركة "حاخام" فيها ، كظهير في شمال سيناء لفرعها في غزة "حماس" ، أو لتدمير ما يزيد على الألف من الأنفاق غير الشرعية بين رفح وغزة ، كان لابد من قرار من التنظيم الدولي لحركة "حاخام" بطرح مسألة معبر رقح على طاولة العالم ، وهي تعرف تماما أن القوى العالمية ستؤيد مطالب تدويل المعبر ، فهي التي أيدت حكمها لمصر وقاومت ولم تزل كل التغييرات التي أحدثتها ثورة 30/6/2013 قائلة عنها انقلابا . سيندهش البعض أن نذهب إلى أن حماس استدعت العدوان الصهيوني على أهل غزة قائلا أنها نظرية المؤامرة ، وأنه يستحيل على فلسطيني أن يقامر بدم أهله لمصلحة لا تخص قضيته الأم !! سأعيد هذا المحتج من غزة إلى مصر ، حيث تقتل حركة "حاخام" المصريين من أجل إيذاء ، والله مجرد إيذاء ، النظام السياسي الجديد . وهنا ، تطل مسافة الاختلاف بين ما وطني وما هو إسلامي أو لنقل إخواني ، ففي الأخير الغاية تبرر الوسيلة ولو كانت هذه الوسيلة دم الأبرياء ، ولهم فهمهم التحريفي للنصوص الدينية المقدسة لتأييد اقترافهم "قتل الناس جميعا" بقتلهم نفسا واحدة بغير حق !! أما حركة التحرر الوطني ، فإنها لا تقامر بالدم مطلقا ، ولعل قبول منظمة التحرير الفلسطينية الخروج من لبنان ، حيث الجبهة الوحيدة لها لمقاومة الاحتلال الصهيوني ، حماية للبنان من التدمير شاهد صدق على الانحراف الحاد لخط النضال الفلسطيني حين تحول من الوطني إلى الإسلامي المزعوم حيث يحل الانتماء المزدوج ، ويفرض الانتماء المزدوج الالتباس على الموقف ، ويضيع الفارق بين القرار المستقل وأهداف المؤيدين والمساعدين ، فتعتدي الدولة الصهيونية على غزة ، وتضع حركة المقاومة الإسلامية شروطها على مصر .. هل ثمة تناقض الآن !! إن التاريخ ليس كتاب حكايات ولا مجرد سرد لوقائع ما حدث ، إنه كتاب في المنطق المؤسس للأحداث ، ومراجعته دائما ما تكون قادرة على تأويل الواقع حين تلتبس وقائعه . وليس كتاريخ النشأتين : نشأة حركة الإحوان المسلمين "حاخام" وحركة فرغها في غزة المقاومة الإسلامية "حماس" يمكنه أن يحل وبسهولة فائقة لوغاريتمات موقف حماس من العدوان الصهيوني على أهل غزة ، وقدرتها على احتمال كل هذا الدم ثم تضع الشروط كأنها انتصرت لكي تتوقف آلة القتل الصهيونية . وقد نعزي نحن أنفسنا أن محض الصمود هو انتصار ، أما المقاتل الحقيقي ، فلا يشتبه النصر بالهزيمة عنده ، لأن الهزيمة والنصر حسابات رقمية لا أكثر ، والأرقام لا تعرف البلاغة التي تنقل دلالة لفظ إلى لفظ آخر دون أي اعتبار للحقيقة ، أما حساب التكلفة البشرية والاقتصادية وتحقيق الأهداف فلا بلاغة فيه إطلاقا ، بشرط أن يكون القائم على الحساب مقاتلا حقيقيا يتمتع بالمسئولية تجاه من يدعي أنه يقاتل من أجلهم ، وهذه حالة ليست من حماس ولا حماس منها في شيء ، فقتالها كما هو الحال مع تنظيمها الأم من أجل فكرة لا من أجل وطن ولا من أجل شعب . لاشك في أن البدايات الخاطئة تؤدي ولابد إلى نهايات أشد خطأ ، ومهما كان الأمر ، فإن تنظيمات إسلامية كحماس وغيرها أشد خطورة على قضية فلسطين من أي تنظيم آخر . فحضور دول غير عربية (إسلامية) كتركيا وإيران لها قضاياها الأهم من قضية فلسطين يدوّل القضية ولابد . وأن تتقاطع أهداف هذه الدول مع استقرار المنطقة العربية وتحديدا دول الطوق ، فهذا الأكثر خطرا على الإطلاق . وأن تحل الفكرة محل الوطن فالأمل ، مجرد الأمل ، بانفتاح أفق التحرر الوطني ينغلق تماما . أضف إلى هذا أن يتورط فصيل يزعم أنه مقاوم في عداء الدولة المركزية في الصراع الفلسطيني الصهيوني انتماء للفكرة التي يؤمن بها فقل على القضية السلام .