ونحن نعيش أيام رمضان المباركات ولياليه القدسية النفحات يتجه القلب والضمير بلا ترتيب ولا تخطيط إلى أحوال ملايين المسلمين ممن يعيشون البأساء والضراء مشردين وجوعى وعطشى. يتجرعون مرارات كتبت عليهم ولم يكن لهم فيها يد أو خيار. الاقتتال يدور من حولهم يدك الجدران فوق رؤوسهم ويهتك سترهم، يختطف اللقمة ونقطة الماء من أفواه الأطفال والكبار ويسوق الجميع إلى العراء أو برودة المخيمات ليلاً وصهدها نهاراً وخشونتها في كل وقت وحين. أبناء سوريا الشقيقة.. ثلاثة أعوام وهم يتجرعون عذابات الحرب الأهلية المجرمة ..مدن سورية العريقة دمروها تدميراً..حلب الصهباء تشكو العطش والظلام. أيدي الإجرام لم تكتف بالقصف العشوائي الذي أوقع القتلى بعشرات الآلاف وطارد الأبرياء إما إلى خارج بلادهم مشردين في بلدان الجوار بلا مال ولا متاع، أو نازحين من مدينة مدمرة إلى أخرى جريحة تتوقع دماراً مماثلاً. تفتقت أخيلة الإجرام عن أساليب ترويع أخرى أشد فتكاً وأطول أثراً.. استهداف كل سبل الحياة من محطات الكهرباء ومحطات رفع المياه ونظم الصرف الصحي. التلوث طال كل مصادر المياه حتى فرات العذوبة والرواء .. النهر الذي يسقي محافظات الشمال والشرق لم يعد مصدراً للحياة بل للمرض والموت بعد أن اضطر السكان إلى استخدامها مباشرة دون تنقية هرباً من موات العطش الذي يحيط بهم. التيفويد يقف بالمرصاد وشلل الأطفال يترصد الأطفال مع غياب التطعيمات وقائمة الأمراض تزداد طولاً. أوضاع تهز الضمائر ولكنها لا تجد من يتحرك لتغييرها. المنظمات الدولية وهيئات الإغاثة تبذل أقصى طاقتها لكن الأزمة أكبر من قدرتها وحدها على الإنقاذ. الكل يتباكى ولا أحد يمد يداً قوية للعون.. بل يتغافل ويختبئ وراء العملية السياسية المعقدة التي تراوح مكانها حين يتعلق الأمر بالحل والإصلاح بينما تتحرك بسرعة الصاروخ حين يتعلق الأمر بالتحريض والاقتتال وتأليب الأطراف بعضها ضد بعض. مع تفاقم الوضع ودخوله مرحلة النحر عطشاً وجوعاً لم تجد المنظمات المعنية بداً من مخاطبة كيان أصم هو المجتمع الدولي تدعوه لوضع الاحتياجات الإنسانية العاجلة والمنقذة للحياة للسوريين على قمة أولوياته والسعي بكل ما يملك من النفوذ والقدرة على التأثير، لمنع استهداف مصادر المياه والتوقف عن اعتبارذلك تكتيكاً حربياً في ساحة القتال، والتدخل لتأمين ممر آمن يسمح لمقدمي الإغاثة بأداء مهامهم الإنسانية، وإصلاح الأعطال التي يتفنن المتصارعون في تكرارها ليحولوا حياة المدنيين إلى جحيم. كالعادة لا حياة تنادي بين أصداء ذلك المجتمع الدولي إلا الفتات وشذرات من هذه الدولة المانحة أو تلك. لم تنته مأساة السوريين الموزعة على الحدود التركية والأردنية واللبنانية والعراقية بعد وهي غير مرشحة للحل السريع بل للتفاقم. وهاهي مأساة أخرى تنبت في الجوار العراقي وترسل بآلاف جديدة من المدنيين إلى مخيمات اللجوء والتشرد والنزوح بعيداً عن الديار والأهل والحياة الكريمة. الأوضاع في مخيمات كردستان التي نزح إليها الفارين من نيران داعش لا تقل سوءاً والأطفال والكبار مهددون بتفشي أمراض الكوليرا وعودة شلل الأطفال. رمضان يظللنا ونفحاته تحيطنا لكننا لا نتعظ بها . ننفعل مع أجواء تسحبنا بعيداً عن أخلاقياته ومكرماته نترك إخواننا مشردين بعيداً عن ديارهم، محرومين من أدنى سبل الحياة. بيننا من تسمروا أمام الشاشات التي غيبتهم تماماً عن الواقع الأليم المتربص بالمسلمين..نتعاطى الخواء والفراغ والأفكار الهزيلة والحوارات الهابطة.. أفضلنا حالاً تصافح أعينهم كلمات الله في كتابه الكريم كطقس رمضاني نتبارى في الانتهاء منه دون أن تتجاوز الكلكات أعيننا ودون أن تصل المعاني إلى قلوبنا، ولو وصلت لتغير الكثير من الأمور ولاختلف تعاطينا مع أحوالنا وقضايانا وأزماتنا ونوائبنا ومآسينا. الفرصة لازالت سانحة كي يسهم كل منا بما يستطيع لرفع الكرب عن اخواننا ومحاولة تخفيف ابتلائهم. الحاجة ماسة لملايين الدولارات لتلبية احتياجاتهم العاجلة. وبالإمكان توجيه بعض من اموال الزكاة إلى هذا الهدف النبيل معذرة إلى الله وتأكيداً لروح التضامن والعمل الإنساني. ومن لا يسعفه المال فليرفع يده بالدعاء والتضرع لنصرتهم ومؤازرتهم معنوياً وهو أضعف الإيمان.