عاش الإخوان سنوات طويلة في صفوف المعارضة، واحترفوا العمل السري لفترات أطول، حتى إنه لم يعد لديهم، عندما وصلوا إلى السلطة، القدرة على التمييز بين مهام عضو الجماعة ورجل الدولة، فالأول يراعي مصلحة جماعته قبل كل شيء عندما يتخذ قراراته، والثاني لابد أن يضع نصب عينيه مصلحة وطنه ومجتمعه بكل مكوناته، وإن تعارضت مع أهداف جماعته وأصدقائه الأقربين. وفي الأيام الأخيرة، أظهر الإخوان أن إبرة بوصلتهم لا تتحرك خارج دائرتهم الضيقة، بغض النظر عما إذا كانت دائرة الوطن أوسع، ورأيناهم يورِّطون ليس جماعتهم بتشعباتها المحلية والدولية، بل مصر ذاتها في معركة مع الإمارات، دفاعًا عما اعتبروه، مسًّا بالشيخ يوسف القرضاوي الذي هاجم طرد الإمارات عائلات سورية معارضة لنظام بشار. لا نودّ الخوض في تفاصيل الخلاف بين الشيخ القرضاوي والفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي، الذي استشاط غضبًا مما اعتبره تدخلاً في شئون الإمارات، لدرجة تهديده باللجوء إلى الإنتربول الدولي للقبض على القرضاوي، لكن ما يعنينا مسارعة الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان محمود غزلان بتهديد الإمارات بالويل والثبور، وعظائم الأمور، إن هي مسَّت القرضاوي بالسوء. غزلان الذي انبرى في الدفاع عن الشيخ القرضاوي باعتباره ابنًا من أبناء الجماعة، وإن كان يعيش في قطر منذ سنوات طويلة، لم يضع مصالح الدولة المصرية في تقديره، وهو يلقي بالتهديدات لدولة عربية تربطها بمصر علاقات متوازنة، ويعمل بها ما نحو 400 ألف مصري، من أجل شخص واحد مع تقديرنا واحترامنا له. نعم، حاول غزلان التصحيح من موقفه والاعتدال في لهجته، بعد أن شكَّلت المعركة مع الفريق خلفان، تهديدًا لجدار سميك من العلاقة المتميزة مع الإمارات الشقيقة، ولكن الأمر -للأسف- جاء بعد أن أظهرت جهة سيادية مصرية حزمًا، أمام العبث بمصالح الدولة المصرية. الغريب أن الإخوان قبل 28 نوفمبر، بدء الانتخابات التشريعية التي أوصلتهم إلى السلطة، لم ينبسوا ببنت شفة في معركة كان القرضاوي والجماعة طرفاً فيها من جهة، أما طرفها الثاني فكان عضو هيئة كبار العلماء السعودية الشيخ صالح اللحيدان، الذي انتقد القرضاوي لإرساله خطابًا إلى العاهل السعودي حول تمكين المرأة السعودية من قيادة السيارة، بل إن اللحيدان هاجم وقتها جماعة الإخوان، معتبرًا أنها "غير صافية العقيدة". انتقدنا في حينه، على موقع المشهد الإلكتروني، "صمت الإخوان" على هجوم اللحيدان، وطالبنا الجماعة بالدفاع عن "عقيدتها" وعن شيخها القرضاوي، لكننا لم نسمع لها "حِسًّا" حتى رأينا السيد غزلان يرفع سيفه في وجه الفريق خلفان. ... وفي الأخير: ربما يكون للإخوان في معاركهم شئون، لكن شريطة ألا يتورط المصريون.