ميلاد واستشهاد ومذبحة.. ثلاثية تقودك لكتابة مفرطة في الحب، مفرطة في الفخر، ومنقوعة – في الوقت ذاته – في قوارير أسى.الحب للشاعر العربي الأبرز محمود درويش الذي ولد في 13 مارس 1941 في الجليل المحتل، ثم قضى حياته – تماماً كغالبية شعبه – مشرداً بين المنافي حتى وفاته في أغسطس 2008. كان درويش – بعنفوان موهبته – أمة تتحرك فوق الدفاتر؛ اللغة كحمام مكة؛ جمالاً ورقة. ومفرداته كنيل مصر؛ عذوبة ونفعاً. وقصائده كحدائق الشام؛ خضاراً وظلاً. ومواقفه كجبال عسير؛ شموخاً ورفعة. كتب درويش الشعر – تارة- بنصل السيف، وتارة أخرى بريشة رسام، لكنه في الحالتين بقي نفس المحارب القادم من "عين العاصفة"، أملاً في ملامسة "أمواج الوطن الأولى"، حتى لو فعل ذلك في "فراغ داكن"، أو تحت "حالة حصار"، أو "تحت ضوء بندقية". أما الفخر، فمصدره ذكرى استشهاد رمز العسكرية العربية في العصر الحديث الفريق عبدالمنعم رياض، الذي شارك في كل الحروب التي عاصرها بدءاً من الحرب العالمية الثانية وحتى حرب الاستنزاف التي قاد حقق خلالها انتصارات مدوية تشهد عليها معركة رأس العش وملحمة تدمير المدمرة الإسرائيلية وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968. كان استشهاد الفريق رياض رسالة للعالم، بأن الروح العربية، التي ظن بعضهم أنها ماتت تحت وقع زلزال يونيو، لازالت قادرة على إشعال الأرض تحت أقدام عدوها المنتشي بالنصر الغادر. وكان وجوده – رحمه الله – في الصفوف الأولى على الجبهة يوم 9 مارس عام 1969، دليلاً على أن لا أحد على هذه الأرض يبخل بدمه من أجل عزة أمته ومجدها. أما جنازته، فلا تزال تحلق في الذاكرة، كمثل على ما يلقاه الصادقون من حب في ساعة مجدهم. على أن دماء الشهداء على الجبهة ليست وحدها في سجل ذكريات هذا الأسبوع، فمعها تطل وجوه شهداء الألتراس الذين دفعوا حياتهم ثمناً لغدر منظم، ومع ذلك لازال ثأرهم – في يوم الأربعين - معلقاً في دهاليز البرلمان، وسرايات النيابة ودهاليز المجلس العسكري. عصافير ذهبت وراء فريقها إلى بورسعيد، أملاً في لحظة تغريد، لكنها وجدت هناك شياطين متربصة لا تعرف غير لغة الذبح والتشويه والهرب في جنح الظلام، ثم الجلوس فوق تبة الشماتة، وترديد همسات مغلولة ملخصها: "ذوقوا؛ فهذا جزاء من تجرأ علينا"..