رفض الرجال الأربعون تقريبا، الذين تجمعوا في حظيرة للمزادات، تناثر الروث على أرضيتها الرملية، في واحد من أكبر أسواق الإبل في السعودية رفضا باتا قبول ما أعلنه علماء من الربط بين الإبل وفيروس فتاك يصيب البشر. وقال تاجر يدعي فرج السبيعي في السوق، "غير صحيح، هذا كذب، نحن نعيش مع الإبل ونشرب لبنها ونأكل لحومها، لا يوجد مرض، نحن نعيش وننام ونقضي حياتنا كلها معها ولا شيء يحدث". في سوق الجمال، التي تمتد أميالا على طريق سريع على مشارف العاصمة السعودية الرياض، قال تجار إبل وأصحابها وعمال يخالطونها، إنهم لم يتلقوا أي نصائح أو معلومات أو تحذيرات من مسؤولي الحكومة بشأن فيروس كورونا. وقال طبيب بيطري مصري، مقيم في السعودية، يدعى إيهاب الشابوري، أنه لم يعرف أن فيروس كورونا اكتشف في الجمال، وأضاف أن وزارة الزراعة كانت ستتخذ إجراءات إذا كان ذلك قد حدث. وفي حين، أن ربط الفيروس بالإبل، موضوع دراسة مستفيضة بين العلماء خارج المملكة فلم يكن له أثر يذكر على مستوى النقاش الرسمي في المملكة. غير أن عادل فقيه، وزير الصحة المكلف قال في مؤتمر صحفي، أمس الثلاثاء، إن هناك إجماعا في المناقشات التي جرت على مدى اليومين السابقين - بعد أن استعرض الفريق العلمي الأدلة المختلفة - على النصح بعدم الاتصال بالإبل خاصة المريضة منها. إعجاب وتعلق وقصائد شعر وتكهن بعض خبراء العدوى، بأن حساسيات محلية بشأن ما قد يلحق بسمعة حيوان يتعلق به الكثيرون في المملكة الصحراوية، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية الحضارية قد تكون سببا في رفض الربط بين الإبل وتفشي المرض. ويخشى هؤلاء أن يعوق ذلك الإجراءات الوقائية التي تهدف للحد من انتشار المرض الذي لا يبدو حتى الآن أنه ينتقل بسهولة بين البشر وذلك من خلال السيطرة عليه من المنبع. والإبل مشهد شائع في بعض الأحياء الشرقية من الرياض، إذ ترعى في الأراضي الخلاء أو تشاهد وهي تنقل على شاحنات على الطرق الرئيسية، وفي حين أنها أقل انتشارا داخل بعض المدن السعودية الأخرى، مثل جدة فإنها تشاهد في العادة على مشارف المدن. والإبل وسيلة نقل ومصدر للحليب واللحوم ولا غنى عنها لحياة البداوة التي عهدها أجداد السعوديون منذ زمن بعيد فكانت مصدرا للإعجاب ومحل تعلق شديد بل وموضوعا للقصائد في تراث الشعر العربي. وقد اختفت حياة البداوة، منذ زمن، وحل محلها قبل عشرات السنين حياة مدنية قوامها السيارات ومتاجر السوبرماركت والتلفزيون لكن رغم ابتعاد السعوديين عن الجذور البدوية فإن كثيرين يعتزون على نحو متزايد بقيم تلك الحياة ويرون أنها أنقى وأبسط من قيم الزمن الحالي. ويعد امتلاك الإبل والتعلق، بها جزءا لا يتجزأ من ذلك الحنين للماضي تتبدى مظاهر التعبير عنه في السباقات والمهرجانات التي تجتذب عشرات الألوف من المشاهدين وملايين الريالات التي يدفعها المشترون في أسرع الإبل وأجملها. ويقول التجار، إن أغلب الحيوانات المعروضة في الحظائر المقامة بالألواح المعدنية المتعرجة والطرق المليئة بالمطبات في سوق الإبل بالرياض، عادية، لا ترقى إلى مستوى الأسرع والأجمل لكنها تربى من أجل منتجاتها من الحليب والبول ويكون مآلها المجزر في نهاية الأمر. وبينما كانت مجموعة من الرجال تتبارى في الحديث عن مزايا الإبل المعروضة لمس مسؤول عن المزاد بعصاه أحد الحيوانات وبدأ المزاد بسعر 7200 ريال "2000 دولار". وتعرض لحوم الإبل في أقسام اللحوم، بأغلب متاجر السوبرماركت السعودية إلى جانب قطع من لحم الضأن النيوزيلندي واللحم البقري الإيرلندي، في حين يشرب الحليب طازجا دون غليه أو معالجته ويعتبر دواء شافيا. وقال تاجر إبل بلحية بيضاء، "نحن نشرب الحليب ونقدمه لضيوفنا، إنه دواء، والناس يأتون إلينا طلبا لحليب الإبل من أجل صحتهم وخاصة للشفاء من السرطان، كلنا نشربه كل يوم، وانظر كم نحن أقوياء". غضب علا أنين حيوان ممزوج بالغضب، عندما لكز اثنان من الرعاة جملا كبير الحجم في فخذه لتوجيهه في الطريق الصحيح، بعيدا عن خيمة باللونين الأبيض والأسود كان 5 رجال يؤدون فيها صلاة العصر. وقال عيد الرشيدي الذي ينتمي لقبيلة جاء منها عدد من الرجال بعضهم بائع وبعضهم مشتر في المزاد، إن والده وجده كانا يملكان قطعانا من الإبل وإن لديه الآن 30 جملا تتراوح قيمة كل منها بين 20 ألف و30 ألف ريال. ورفع الرشيدي إصبعه بحركة غاضبة، معلنا أنه لا توجد حالات إصابة بالفيروس بين الإبل، وأيدته مجموعة من الرجال كانوا يقفون وراءه بينما تساءل كثيرون كيف يرتبط المرض بالإبل في حين أن أيا من التجار لم يصب بالمرض. وفوق رأس الرشيدي، امتدت ذراع رافعة صغيرة ببطء من شاحنة تحمل جملا بالغا يتأرجح ويتساقط روثه على الأرض أثناء إنزاله بعناية. وعطس الجمل في صاحبه عندما تقدم لفك وثاقه. وبينما استمر المزاد على جمل بالغ هرولت مجموعة من الإبل الصغيرة في الخلف وكان صبي سعودي يعدو خلفها وهو يستحثها بضربات خفيفة على الظهر. وقال التاجر سلمان الرشيد، "لو أنه.. ثبت صحيح إن مرض الكورونا موجود من الإبل نحنا الحين موجودون في منطقة الخطر، إحنا الحين جالسين على النار، لكن منتهي.. وكل الإبل هدا اللي جاي من (المنطقة) الشرقية واللي جاي من حفر الباطن واللي جايتك من الجنوب، هدا كل الإبل تجمع هنا للحراج، المريضة تيجي هنا والصاحية تيجي هنا، ما شفنا كورونا ولا جانا شيء".