لأول مرة في تاريخ الإخوان تتعرض لحصار محلي ليس من الحكومة فحسب.. ولكن من معظم الأحزاب السياسية ومن أطياف شعبية عديدة ومن كل مؤسسات الدولة.. وتواجه وحلفائها حصارا ً إقليميا ً من دول خليجية مثل السعودية والبحرين والإمارات.. وقد يمتد ليشمل دولا ً أخرى مثل الأردن والجزائر والمغرب.. رغما ً أن دول الخليج كانت تمثل الحضن الدافئ للإخوان أيام محنتها الأولى في عهد ناصر وقد تواجه لأول مرة في تاريخها حصاراً دولياً بدأ في روسيا وكندا وبريطانيا. وهذا يستوجب على قيادة الإخوان وحلفائهم سرعة مراجعة كل اختياراتهم وقراراتهم وتوجهاتهم السابقة مراجعة أمينة ودقيقة مع وقفة صدق لمراجعة كل القرارات التي أدت إلي هذه الكوارث والحصار الخانق.. فضلاً عن حشر الآلاف إلي السجون وقتل وجرح الآلاف من الإسلاميين من جهة ومن الجيش والشرطة والعوام من جهة أخرى.. فضلا ًعن تلك الحرائق التي لحقت بكل مكان في مصر. وينبغي السرعة في هذه المراجعة لإدراك ما يمكن إدراكه من الخسائر التي لحقت بالوطن كله. والكثيرون يعيبون دوما ًعلى قادة الحركة الإسلامية البطء في القرارات المصيرية والتأخر القاتل أو اتخاذها بعد فوات الأوان وحينما تكون عديمة الجدوى مع ضياع الفرصة تلو الفرصة.. وخاصة إذا أدرك قادة التحالف أن الزمن ليس في صالحهم كما يتصورون.. وأن كل ما دغدغوا به عواطف البسطاء من الصالحين من أن "الانقلاب يلفظ أنفاسه الأخيرة وأن الحراك الشعبي سيطيح به.. وأن الظهير الشعبي للتحالف لا نهاية له.. وأن مرسي سيعود غدا ً إن لم يكن الآن".. كل ذلك كان خداعا ً بصريا ً وعقليا ً وذهنيا ًللبسطاء من الناس.. أغلب الظن أنه نتج لأن صانعي القرار في التحالف في الخارج كانوا لا يعيشون الواقع أو لا يريدون أن يعيشوه.. أو أن التقارير التي كانت تصلهم من أتباعهم في مصر كانت زائفة.. أو أنهم اعتصموا في الزمان قبل 30 يونيه 2013 ولا يريدون أن يغادروه.. والاعتصام في الزمان أخطر من الاعتصام في المكان.. وخاصة إذا صدر من القادة. إن المراجعة العاجلة والسريعة لكل قرارات وتوجهات وأفكار وقيادات الإخوان والتحالف وتصحيح كل ما يستوجب التصحيح والتصويب يعد ضرورة لا مفر منها لإدراك ما يمكن إدراكه ووقف التردي الخطير في موقف الحركات الإسلامية المصرية التي تحتاج اليوم قبل الغد أن تعيش بقلبها وجوارحها مع حكمة العبقري العظيم الخليفة الصادق مع ربه ونفسه والمتصالح معهما عمر بن الخطاب "لا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق.. فإن الحق قديم لا يبطله شيء.. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل". هذه العبارات الرائعة كتبها عمر إلي قاضيه أبي موسى الأشعري لينبه الدنيا كلها وأجيال المسلمين على فقه المراجعة.. وهي تختلف عن التراجع.. فالمراجعة هو ترك الخطأ والباطل وتعزيز الصواب والحق والتمسك بهما. والحركة الإسلامية حركة بشرية غير معصومة تخطأ وتصيب تنتصر وتنهزم.. فما بالنا إذا كانت تنتقل من هزيمة إلي هزيمة ومن نكسه إلي أخرى ومن محنة إلي أختها.. أفلا يستوجب ذلك وقفة للمراجعة والتصويب فالحق قديم وأقدم من الجميع. وقادة الحركة الإسلامية هم أولى الناس بالمراجعة.. فإذا زل القائد زل بزلته عشرات الآلاف فضاع وأضاع. قد يقول البعض ولماذا نراجع أنفسنا ولا تراجع الحكومة نفسها.. وقد تكون أخطاؤها أكبر من أخطائنا.. ولماذا نتوقف نحن في الوقت الذي لا تتوقف الحكومة عن القبض والسجن والأحكام المشددة والتصدي للمظاهرات و... و...؟ وقد واجهنا الإخوة في السجون بمثل هذا السؤال في بداية المبادرة.. فقلنا لهم: فلنفعل الصواب ولنترك الآخرين أمام مسئولياتهم.. وإذا توقفنا نحن سيتوقفون هم بالتأكيد.. وهل هناك حكومة علي وجه الأرض لا تريد الاستقرار أو الأمن. وحينما بدأنا في وقف العنف من ناحيتنا تغيرت الدولة جذريا ً معنا.. وتحسنت المعاملة في السجون وعادت إليها الكرامة الدينية والإنسانية وتوقف القبض والاشتباه.. وبدأت الإفراجات.. وبدأ السلام يعم.. وبدأ كل شيء يتغير في الحكومة والأمن وكل شيء. لقد تعلمت من ذلك شيئا ًجيدا ً أن من يريد من خصمه أن يكون رحيما ً فليبذل الرحمة أولا وسيجدها في خصمه.. ومن أراد أن يكون خصمه حكيما ً رفيقا ً فليبذلها وسيجدها منه.. ومن أراد السلام فليبذله أولا ً وسيجده في خصومه.. وهكذا.. وبحثت عن هذا المعنى في القرآن فوجدته في قوله تعالى " عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً".. وهذه قيلت في المشركين.. فما بالنا بالمسلمين المختلفين سياسيا ً أو يتصارعون علي السلطة. إن فقه المراجعة لا علاقة له بالخصوم أحسنوا أو أساءوا.. إن إرادة التغيير الصادق نحو الأحسن تنبع من ذواتنا وأنفسنا فإذا غيرنا أنفسنا وصوبنا قراراتنا وحافظنا على دماء أبنائنا وخصومنا على السواء تكفل الله بتغيير كل شيء وتغيير الدنيا كلها. إن فقه المراجعة ضرورة ملحة لنا قبل غيرنا لاكتشاف الأخطاء الدعوية والتربوية والفكرية والسياسية والإدارية والاستراتيجية التي وقعت فيها الحركة الإسلامية خلال السنوات الماضية والعدول عنها وتصويبها وتصحيح المسار.. ولكن من يا ترى يملك شجاعة المراجعة والتصويب ويترك نظرية المؤامرة المقيتة التي نظن أننا نهزم بها دوما ً في الوقت الذي لا نرى لهذه النظرية أثرا ً على الأمم الأخرى التي تنتصر وتتقدم وتتطور دوما ً ؟!