تعتبر الانتخابات البلدية التركية التى أجريت الأحد الماضى أحد الأسس التى أعتمد عليها رجب طيب أردوغان كثيرا، لتلميع صورته وإثبات نفسه كزعيم تركى، حفظا لماء وجهه بعد فضائح الفساد والتسريبات التى تؤكد فساده هو وأسرته، والتى اعتبرها أردوغان دعاية مغرضة تهدف إلى تشويه سمعته والتأثير على اتجاهات الناخبين الاتراك؛ وفى ظل هذه الأوضاع المتوترة التى رافقت هذه الانتخابات؛ فقد حاولت المعارضة التركية استغلال التسريبات الفاضحة التى انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعى من أجل إلحاق هزيمة تاريخية بحزب أردوغان "العدالة والتنمية" ذى التوجهات الإسلامية، إلا أن النتائج جاءت فى صالح أردوغان، مما أثار العديد من الأسئلة التى أثارت دهشة بعض العامة. إلا أن الخبير فى الشئون التركية الإعلامى "نشأت الديهى " أوضح أن هناك بعض الأسباب التى أدت إلى فوز حزب العدالة وتوجه بعض الناخبين إليه، من أهمها العامل الاقتصادى الذى يعد من أبرز إنجازات حزب العدالة والتنمية؛ والذى يتمناه أى شعب آخر فى ظل الأوضاع العصيبة التى تعيشها المنطقة؛ حيث عرف أردوغان كيف يحافظ نسبيا على هذا الإنجاز من خلال الانفتاح الاقتصادى على إيران الذى كان له دور كبير فى الحفاظ على هذا الإنجاز. وأضاف: ورغم أهمية هذا العامل فى تحديد توجهات جزء كبير من الناخبين الأتراك نحو التصويت لحزب العدالة والتنمية؛ إلا أن هناك مجموعة من العوامل العميقة التى تحكمت فى هذه النتيجة لعل أهمها: اعتماد حزب العدالة والتنمية على كتلة انتخابية شبه ثابتة تقدر بنحو 40 فى المئة، التى تتميز بعدة خصائص من أبرزها أنها كتلة ريفية ومتدينة، متمركزة أساسًا فى منطقة الأناضول، كما أن "أردوغان" لديه خبرة انتخابية منذ عشر سنوات دعمتها عوامل أخرى منها ضعف المعارضة التركية، وعدم قدرتها على الحشد، كل ذلك ساهم فى نجاحه إلا أن الديهى اعتبر هذا النجاح ليس مبهرًا أو محل فخر أو غضب، كما يظن البعض ويتخيل؛ فإذا كانت نتائج الانتخابات البلدية قد فاجأت الكثيرين داخل تركيا وخارجها، نظرًا للسياق العام الذى أتت فيه، فإنه مما لا شك فيه أن أردوغان سيعتبر هذه النتيجة تفويضا شعبيا له للمضى فى سياسته المثيرة للجدل. وأكد الديهى أن أردوغان يعيش الآن حالة من السكر السياسى متماديًا فى ارتكاب الحماقات التى يقوم بها، وما زال مستمرًا فى غلق وحظر مواقع التواصل الاجتماعى من يوتيوب وتويتر؛ وهو ما سيؤدى بالتأكيد إلى قرب نهايته وأفول نجمه، حيث كانت الإنجازات السياسية التى حققها مبنية على أعمدة اقتصادية وقد بدأت تلك الإنجازات فى مرحلة العد التنازلى؛ فإذا كان أردوغان قد نجا من حفرة فإن هناك حفرة أخرى فى انتظاره، ألا وهى الانتخابات الرئاسية، فى شهر أغسطس المقبل، حيث سيتعيّن عليه أن يتجاوز ثلاث عقبات، دفعة واحدة، إذا فكر فى الترشح لهذا المنصب أولها كسب ود عبد الله جول، رفيق دربه والرئيس الحالى الذى كان يناديه بالأخ العلامة الشقيق؛ والحصول على نسبة تتجاوز ال50% كشرط لا غنى عنه للفوز؛ وأيضا كسب ود الأكراد، وحزبهم الأبرز "السلام والديمقراطية"، إذا لم يتمكن من اجتياز تلك العقبات أو يكسب ودها، فقد حكم على نفسه بالإعدام وسيجرى هو بنفسه تحرير شهادة وفاة له ولحزبه . فى نفس السياق يشير الدكتور سعيد اللاوندى "خبير فى العلاقات الدولية إلى أن أردوغان لن يصل لمرحلة الانتخابات الرئاسية، وأن النجاح الذى يتباهى به يعتبر نجاحًا محدودًا، ولا يعبر عن اختيار الشعب لأردوغان؛ لأن فساده قد ظهر وانكشف وأنه مجرد فقاعة ستنتهى عما قريب. وعلى صعيد آخر يرى مراقبون للمشهد السياسى فى تركيا أن القادة جميعا سواء أردوغان وغيره ليس لديهم القدرة على إعطاء مواطنيهم مجالاً للاستقلال الذاتى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى فكرة سعى المواطن فى تلبية حقوقه الضرورية التى تمكنه من العيش والحياة من مأكل جيد وأمان يحقق استقراره المعيشى. وأشاروا إلى أن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبنى على ركائز قوية منها ضرورة وجود استقلال حقيقى لمؤسسات الدولة الرئيسية بعيدا عن سلطة الحاكم.