أخيرا طوى الأشقاء في اليمن السعيد من الآن فصاعدا، صفحة الرئيس المخلوع الذي رفض أن يرحل من دون أن ينغص على ثوار اليمن وأشقائهم أبطال الربيع العربي، فرحتهم باختيار الرئيس الانتقالي "التوافقي" حسب ما اتفق على تسميته، لإنجاز مرحلة أولى من ثورة حرية وكرامة طال انتظارها. كان مشهد تسليم المخلوع مفاتيح القصر الجمهوري إلى الرئيس عبدربه منصور هادي، في حفل باهت وسط غياب الحكومة ورموز السياسة، يؤكد أن غير المأسوف عليه وغير المرغوب في رؤية صورته التي فرضها على الجميع لأكثر من ثلاثة عقود، لا مكان لمسرحه الهزلي في يمن بدأ مسيرة بناء حقيقية بسواعد أبنائه الشرفاء أحفاد سيف بن ذي يزن، ليظل ( الإيمان يماني والحكمة يمانية )، تجسيداً لقول حبيبنا ونبينا ورسولنا محمد "صلى الله عليه وسلم" في الحديث الصحيح، فاليمنيون أهل حكمة لا يخشون الأزمات، ويتحدّون أصعب المخاطر، فعندما احتلت اليمن "الأحابيش ، جماعة من سكان مكة كانت متحالفة مع قبيلة قريش في فترة ما قبل الإسلام"، اجتمع حكماء البلاد بقيادة سيف بن ذي يزن وحرروا أرضهم، فكانت التهنئة بهذا النصر من العرب جميعا، وتوجه وفد كبير برئاسة عبد المطلب جد الرسول "صلى الله عليه وسلم" إلى صنعاء لتهنئة أهل اليمن بتحرير أرضهم، ولما جاء الإسلام كان حكماء اليمن من أعظم أنصاره، فالأوس والخزرج أنصار الرسول "صلى الله عليه وسلم" نزحوا من اليمن، يقول الشاعر اليمني الكبير الراحل عبد الله البردوني مخاطبا رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم": أنا ابن أنصارك الغُرّ الأُلى سحقوا ... جيش الطغاةِ بجيش منك جرّارِ نعم سيظل "الإيمان يماني والحكمة يمانية"، وستعود لأبناء مهد أمجاد العروبة والشهامة والعزة والكبرياء، أمجادهم وحريتهم وكرامتهم، وستعود إلى اليمن السعيد مكانته، وسنقطف في وطننا العربي الكبير ثمار مستقبل نصنعه بأيدينا للأجيال القادمة، هنيئًا لكل الأشقاء في اليمن الواحد شماله وجنوبه، نصرهم على الطغيان، والمجد لشهدائهم الذين قدموا أرواحهم من أجل تحرير وطنهم. تلك النهاية التي نتمناها للوطن المدمي سورية العديّة، لكن عصابة الطغيان الجاثمة على صدورنا جميعا المتمسكة بكرسي الحكم الزائل بإذن الله، لا تفهم غير لغة الرصاص والبارود، ولا تستطيع العيش من دون بطش وقتل وسفك دماء "هذه سمات أحفاد دراكولا" التي ابتلينا بها، فمنذ إخفاق مجلس الأمن في اتخاذ قراره ضد هذه الزمرة الوحشية الهمجية، كشر رجال النظام الأوغاد عن أنيابهم، وراحوا يستبيحون كل المناطق المناهضة لنظامهم الفاشي، مستخدمين مخزون أسلحة كدسوها لاحتفالاتهم واستعراض عضلاتهم وتهديد الشقيق والصديق، بينما يرتع العدو في أرجاء الوطن المغتصب ويسرق خيراته وينام قرير العين. الاستتفاء أو الاستفساء "عذرا، هذا مقام تلك الشرذمة وأمثالها" على الدستور الذي أجراه النظام مؤخرا، وحصدت جولاوته عشية وغداة الاستتفاء، أرواح أكثر من 150 بريئا بينهم أطفال ونساء من عائلات واحدة، يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أن السفاح لن يتخلى عن كرسي الحكم وسيظل متمسكاً بحلم العائلة "حكم سورية إلى الأبد"، فحافظ الثاني سيخلف والده بشار بعد 16 عاما "حسب المتبقي من مدة الرئاسة الحالية والفترتين التاليتين اللتين سيحكم بهما وفق الدستور المقرر الجديد"، لا أحد يستطيع بالدستور وبكل القوانين المستنسخة من أحكامه، وبما أوتيت الأحزاب المرخصة من حنكة ودهاء سياسي، أن تعارض رئيس الدولة الذي بيده كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وصولاً إلى النقابات والمنظمات الشعبية "التي تمثل الحلاقين وبائعي الفلافل والمازوت" !! الرهان اليوم على إزالة النظام "طوعا أو كرها" كما قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انتصر لدماء الأشقاء في حضن تونس الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي، والرهان ذاته على تسليح رجال المعارضة وفق دعوة دولة قطر ممثلة بتصريحات رئيس وزرائها ووزير خارجيتها حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، "لا تثريب عليكم اليوم" يا أحرار سوريا أردتموها سلمية فنهشتكم كلابهم المسعورة وأزهقت شبيحتهم أرواح أطفالكم ونسائكم، رصوا صفوفكم "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل"، هكذا أرادوها وفرضوها عليكم "العين بالعين"، فأنتم أهل في الميدان والنصر حليفكم بإذن الله "ولو كره الكافرون والمشركون". كاتب صحفي فلسطيني