سواء كان لحادث الاعتداء الآثم على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح خلفيات سياسية أم أنه مجرد حادث إجرامي، فإن الأمر لن تفارقه ظلال السياسة أياً ما كان التصنيف، وأياً ما كانت دوافع المعتدين. بنفس القدر الذي لن يفارقه فيه وصف "الإجرامي". فلا يمكن وضعه في خانة المصادفة، مع استبعاد الترتيب والإصرار والترصد. ولا يمكن استبعاد الرؤوس المدبرة، بصرف النظر عن الأدوات. فكيف يمكن تصور أن تقوم مجموعة مسلحة بترقب وترصد أبو الفتوح، وإيقافه على الطريق الدائري، والاعتداء عليه هو والسائق، ثم أخذ السيارة منهما، رغم أن السيارة التي كان يستقلها ليست سيارته، بل هي سيارة مستأجرة. كيف يمكن تصور عدم وجود ترتيب وتتبع قائم على المعلومات؟! فالرجل ليس مجرد شخص من عامة الناس، بل هو مرشح محتمل لرئاسة مصر، وهو في ذلك شأنه شأن بقية المرشحين المحتملين الذين ينبغي على المجلس العسكري والجهات الأمنية حمايتهم، ليس من الناس العاديين، بل من فلول النظام السابق، والعناصر التخريبية المنتسبة للأمن نفسه. وفي جميع الأحوال فإن الحادث هو بمثابة ضوء كاشف إضافي على حجم التردي الأمني الذي يعم البلاد. إن أبسط قواعد الوقاية الأمنية في بلد يعاني فراغاً هائلاً في السلطة، أن يتم تأمين تحركات المرشحين للرئاسة، ولو حتى من خلال دوريات الطرق. ليس مطلوباً أن يتحرك هؤلاء في تشريفات، أو حتى في حراسة مثل حراسة الوزراء أو أعضاء المجلس العسكري، لكن على الأقل أن يكون هناك علم لدى الجهات المختصة بتحركاتهم (وأظن أن هذا يحدث لكن لغرض في نفس يعقوب)، وأن يترتب على هذا العلم قدر ما من تأمين التحركات، بما يسمح للمرشحين بالتحرك وسط الجماهير دون خوف من تربص هنا أو هناك. وبعيداً من الخلفيات السياسية لحادث الدكتور أبو الفتوح، فإن من حق المواطن المصري أن يطالب بمحاسبة وعزل ومعاقبة مختلف القيادات والعناصر الأمنية التي تركت شوارعنا نهباً للصوص وقطاع الطرق والبلطجية، الذين أصبحت هجماتهم المسلحة على الطرق والتجمعات السكنية والبنوك والشركات أمراً مخزياً لا يصح السكوت عليه. وعجز العسكر عن تأمين البلاد هو إهانة بالغة للعسكرية. إذ أنه إن لم يكن في إمكانهم تأمين البلاد، فما الذي يجلسهم على كراسيهم حتى اليوم؟! وإذا كانت المسؤولية الأولى تقع على عاتق الداخلية والمجلس العسكري؛ فإن ثمة مسؤولية سياسية تقع على عاتق مجلس الشعب، الذي ينبغي عليه أن يتخذ مواقف أكثر صرامة مع "الفلتان" الأمني، ليس في مواجهة وزير الداخلية فقط، بل في مواجهة المجلس العسكري أيضاً. وأحسب أن مجلساً جاء بعد ثورة لحري به أن يصرف جل وقته للبحث عن علاج للمشاكل المتفاقمة التي تعانيها البلاد، وأن يعمل بأسلوب غير تقليدي، وأن يقلل من مهرجانات الخطابة، ويتجه رأساً للموضوعات التي تمس الناس. إن الوضع الأمني المتردي في الشارع بات ينذر بكوارث لن يكون بإمكان أحد السيطرة عليها، وأكثر ما يخيف الناس حالياً هو أن يلجأ كل من يملك القوة لفرض قوته، وأن يلجأ بعض الناس إلى تأمين أنفسهم ببعض المسلحين الذين يشبهون الميليشيات في دول الموز. وهناك بالفعل بعض رجال الأعمال الذين لجأوا إلى حلول مشابهة خوفاً على أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم. كما أن الكثير من المواطنين العاديين راحوا يفكرون في امتلاك سلاح ناري، وفي هذا خطر كبير على المجتمع كله. ويزداد الأمر سوءاً في المناطق ذات الأصول القبلية مثلما هو الحال حالياً في الصعيد وسيناء ومناطق الأطراف. لقد طال صبر الناس على تقاعس الشرطة عن أداء دورها، حتى إن المراقب للأوضاع ليحسب أنه لا يوجد أمن سوى في محيط وزارة الداخلية!