ما الذي يريدونه بعد؟ لماذا لا يمنحون البلد فرصة للاستقرار؟ لماذا لا يهدأون؟ ألم يسمعوا عن الثائر الحق الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد؟ ألا يشعرون بالأسى لحال الاقتصاد؟ ألا يستشعرون الخوف على مقدرات البلاد؟ باختصار وبوضوح: أليسوا وطنيين؟ أليسوا مصريين؟ ألا يتقون الله في بلدهم؟! إنها نماذج الأسئلة التي تسمعها تتردد مع كل حديث يتعلق بالشباب الذي يرى أن من واجبه استكمال ثورته، وقد تكون محظوظاً أكثر فتسمع كلمات التجريح والتخوين والاتهام لكل من لا يهدأ ليسمح ل"خطة الطريق" بأن تستكمل خطواتها. وأنا أعتقد أن كثيراً ممن يطرحون هذه الأسئلة يعرفون في أعماقهم الإجابة الصادقة والحاسمة عنها، فهم يعلمون يقيناً أن الفساد لم يكتمل هدمه بعد لنبدأ في بناء الأمجاد؟ وأن من يعطل الاقتصاد ليس المد الثوري بل التراخي في تحقيق أهداف الثورة، وأن الثوار هم الأكثر حرصاً على الدم المصري، إلا دمهم هم فقط، وأن خطة الطريق التي يطالبونهم بفرصة لإتمامها لم يكن لها أن توضع هكذا لولا إصرارهم على مواصلة أدائهم الثوري، وأن هذا يُشعرهم أنه حتى خطوات هذه الخطة ليس لها أن تتم دون مواصلة هذا الأداء الثوري المنضبط الذي يضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار. أقول إن من يطرحون الأسئلة غالباً يعرفون في أعماقهم إجابتها، ويعرفون أيضاً أن الثوار كانوا هادئين حين ارتكبت مذبحة بورسعيد، وأن هدوءهم هذا لم يمنع المذبحة من الوقوع، بل ربما أسهم في وقوعها، ويعرفون طبعاً من أين يأتي المخربون الذين يحاولون تشويه أي فعل ثوري وطني منضبط وتحويله إلى حجة للتخوين والتلطيخ بالوحل. هم إذا يعرفون إجابات أسئلتهم في أعماقهم، لكنني أضيف سبباً كبيراً ليأتلف حوله المصريون: نعم لابد للثورة أن تكمل فصولها حتى لا يتم اختصار أحلام الشعب المصري. لا أحد ينكر أن الثورة قد حققت بعض أهدافها، وقد يرى البعض أن ما تحقق ليس بالقليل، وأنا أوافقهم الرأي، ما تحقق ليس بالقليل فعلاً، إذا قيس بما قبل الثورة، لكنه أقل من القليل إذا قيس بما نحلم به للوطن. الثورات لا تقوم كل يوم، الثورات لحظات تاريخية شديدة السطوع لابد من استثمار وهجها ليذهب الوطن إلى أبعد نقطة من التحرر والتقدم والتطهر. فيا كل مصري على أرض الله لا تسمح لأحد بأن يختصر أحلامك لمصر، لا تسمح بذلك لأحد كائناً من كان ولا حتى لنفسك أنت.