غريب أمر خطباء المساجد في مصر؛ يدعون على بشار الأسد في كل جمعة،ويرجون من الله أن يُرينا فيه وجيشه عجائب قدرته، ومنهم من ينتحب – صادقاً - من فرط تأثره بدماء السوريين التي تسيل كل ساعة، لكنهم – في المقابل - لا يأتون على سيرة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ولا أمير البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، رغم أن كليهما يتعامل مع معارضيه بنفس الأسلوب. السؤال؛ هل يرجع هذا التناقض إلى حسن نية مفرط سببها قلة الوعي السياسي لدى هؤلاء الخطباء أم هو استسلام لتأثير الفضائيات التي تلقي بكل عدساتها على سوريا، وتتجاهل - عن عمد - غيرها من ساحات الثورة العربية؟. طبعاً لا مجال للمجازفة بطرح إجابة جازمة قد يعتبرها البعض إساءة لمن يصعدون منبر رسول الله،لكن الواضح تماماً أن ما يتردد في جنبات مساجدنا يتطابق مع المواقف الخليجية وخاصة السعودية، ذلك أن الرياض – والفضائيات التابعة لها - تتعامل مع النظام السوري باعتباره رمزاً للشر كله، وتسعى جاهدة لإسقاطه وشعارها في ذلك "حقن دماء شعب عربي شقيق يستنجد بأمته"، لكنها في الحالتين اليمنية والبحرينية تفعل العكس، فتتجاهل الدماء المتدفقة على الأرض، وتعمل – في الوقت ذاته وبكل ما لديها من وسائل – لحماية نظامي علي عبد الله صالح والشيخ حمد بن عيسى، وحجتها الحفاظ على الاستقرار ومنع البلدين من الانزلاق لمصير غامض. تابع التصريحات الخليجية، ثم راجع الفضائيات ذات الصلة لتعرف كيف يمكن تقديم الجريمة الواحدة بلغتين وعدستين ورأيين متضاربين، ثم دقق في خطبة الجمعة التالية، وستجد أننا - للأسف – نرى بنصف عين، ونتحدث بنصف لسان، فقط لأن آخرين فعلوا ذلك قبلنا. وفي حين يبدو التناقض الخليجي منسجماً مع مصالح أصحابه، الذين يرون أن دمشق لازالت تمثل عائقاً أمام بناء نظام جديد في المنطقة تكون القيادة فيه للمال لا للتاريخ أو المكانة السياسية، تثير مواقف علمائنا مزيجاً من الاستغراب والقلق؛ الاستغراب مصدره أن خطاباً متحيزاً كهذا لازال يتردد في جنبات مساجدنا بعد عام واحد فقط من ثورة انتصرت للإنسان، دون أن تنجرَّ لمنطق التمييز أو الانتقاء. أما القلق فيرجع إلى أن سيطرة هذه الرؤية، لا تعني غير شيء واحد، وهو أن القاهرة – بكل مقوماتها الحضارية – تتجه للسير في ركب الآخرين، بدلاً من أن تقدم لهم نموذجاً يليق بها، ويعيد لها زعامتها المفقودة. مزيد من المقالات في المشهد الأسبوعي .. اليوم مع الباعة