شهد عالم الكتاب فى الآونة الأخيرة نقلة تقنية كبيرة، فقد أصاب طرح جهاز "أى باد" القارئ للكتب فى الأسواق عالم الكتاب المطبوع بالذهول. وعلى الرغم من أهمية هذه النقلة التقنية الحديثة فإنه لا يعتقد أن الكتاب الإلكترونى سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الكتاب المطبوع. والكتب الرقمية هى عبارة عن إصدارات رقمية للكتب الورقية، وتتميز الكتب الرقمية بأنه يمكنك البحث من خلالها بسهولة، وتأخذ مساحات أقل بكثير مما تتطلبه الكتب الورقية، كما يمكنك أن تستخدم معها إضافات خاصة كى تتناسب مع احتياجاتك مثل إضافة تحويل النصوص إلى كلام منطوق والكتب الرقمية أقل تكلفة وأسرع فى عملية التبادل بين القراء، أما سلبياتها فهى قليلة كما يعتقد ولكن مع زيادة التشديد فى الحقوق الرقمية ستزداد هذه السلبيات فهى ستقيد مدة القراءة وإمكانية الطباعة. لقد هيمن الكتاب المطبوع قرونا على مصادر المعرفة، لكنه الآن يواجه منافسة الكتاب الإلكترونى ذى التقنيات العالية خصوصا مع شيوع أجهزة الكمبيوتر، حيث باتت فكرة الكتاب الرقمى واقعا ملموسا بالنسبة للعديد من القراء فى أغلب أنحاء العالم وعلى مختلف الأصعدة مثل الجامعات والإنترنت، ولعل الأسباب الأكثر شيوعا لاستخدام الكتب الإلكترونية هى سهولة حملها كما أنها صديقة للبيئة ولا تتعرض للتلف ويمكن تجربتها وتصفحها الكترونيا قبل شرائها أسوة بالقراءة التقليدية للمطبوعات.
ورغم أن مبيعات الكتب الإلكترونية انطلقت بوتيرة بطيئة،فإنها بدأت بتشكيل تهديد لمبيعات الكتب المطبوعة، خصوصا بعد تزايد شعبية جهاز القراءة الإلكترونية "كيندل" الذى أنتجته شركة أمازون الشهيرة فى بيع الكتب عبر الإنترنت، وكذلك بإصدار شركة "آبل" لجهاز "آيباد" . ويظهر بحث أعده مركز بوكر لخدمات النشر والمؤسسة المحدودة لتسويق الكتب أن القراء الأمريكيين والبريطانيين يغريهم المحتوى المجانى ويدفعهم نحو اقتناء الكتب الإلكترونية ، ويشير التقرير أن 15% من الذين شملهم البحث قالوا إن سهولة التحميل من مواقع البيع المختصة هى الدافع الرئيسى لشراء الكتاب الإلكتروني، أما نسبة 23% فرأت أن الدافع هو رخص ثمنها مقارنة بالمطبوعة، والنسبة نفسها تلجأ إلى الكتب الإلكترونية لعدم استحواذها على مساحة فى المنزل.
ولعل الأسباب الأكثر شيوعا لاستخدام الكتب الإلكترونية هى سهولة حملها، كما أنها صديقة للبيئة ولا تتعرض للتلف، ويفسر نائب رئيس مركز بوكر" كيلى جالاجر" نمو سوق الكتاب الإلكترونى بتوفيره للقراء منتجات شبه مجانية، مما دفع دور النشر وبائعى الكتب نحو نشر المزيد من المحتويات المجانية على الإنترنت. ففى يناير 2011، لجأ أكثر من 3،3 % من مقتنيى الكتب فى بريطانيا إلى شراء كتاب إلكترونى واحد، أى بزيادة 1% عن شهر سبتمبر عام 2010، أما فى الولاياتالمتحدة وخلال الشهر نفسه اشترى 13% من عشاق الكتب كتابا إلكترونيا واحدا، أى بزيادة 9،3 % عن شهر يناير عام 2010، الأمر الذى يظهر أن المملكة المتحدة تسير على خطى الولاياتالمتحدة فى اتساع رقعة انتشار الكتب الإلكترونية. وسعر الكتاب الإلكترونى لا يزال أقل بكثير من الكتب المطبوعة، ففى المتوسط يمكن شراء كتابين إلكترونيين بسعر كتاب ورقي، وذكر مسح لمؤسسة النشر التكنولوجى أن مبيعات الكتب الإلكترونية سوف تشكل 10% من عائدات كبرى دور النشر فى بريطانيا خلال عام 2011، على أن تتضاعف هذه النسبة فى العام الحالى. وتفيد المؤسسة المحدودة لتسويق الكتب أن عدد الكتب الورقية المباعة فى بريطانيا انخفض من 344 مليون كتاب بقيمة 76،3 مليار دولار فى عام 2008 إلى 339 مليون كتاب قيمتها 5،3 مليار دولار فى عام 2010. ووفقا لجمعية الناشرين الأمريكيين، فإن قيمة مبيعات الكتب الإلكترونية فى الولاياتالمتحدة بلغت حوالى 70 مليون دولار فى شهر يناير عام 2011، بارتفاع نسبته 8،115% عن نفس الشهر من عام 2010. ووفقا للدراسة فقد بلغت مبيعات الكتب الإلكترونية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية 966 مليون دولار خلال عام 2010، ومن المتوقع أن تصل إلى 3 مليارات دولار خلال الأعوام الخمسة القادمة .ويفيد موقع أمازون لبيع الكتب أن الكتاب الإلكترونى لديه حقق مبيعات تجاوزت الكتب الورقية. وفى أكتوبر الماضى ، ذكر "نيكولاس نيجروبونتي" القطب البارز فى مجال التكنولوجيا وصاحب مؤسسة (كمبيوتر محمول لكل طفل)، أن أيام الكتاب التقليدى أصبحت معدودة وقدر أن ذلك سيكون فى غضون خمسة أعوام. وأشار إلى أن الناقل المادى لا يمكن توزيعه على عدد كاف من الناس عندما تذهب إلى إفريقيا،حيث أن هناك نصف مليون شخص بحاجة إلى كتب لكن ليس بوسعك إرسال ذلك. وشدد نيجروبونتى على كفاءة التقنية الحديثة وإمكانية تحميل مئات الكتب فى أجهزة الكمبيوتر المحمولة التى تقوم مؤسسته بإرسالها إلى القرى ، وأضاف أننا نحمل 100 كتاب فى الجهاز المحمول الواحد ونرسل منه 100 جهاز؛ فهذا يعنى أن بالقرية 10 آلاف كتاب. يذكر أن نيجروبونتى أنشأ مؤسسة "جهاز كمبيوتر محمول لكل طفل" عام 2005، بهدف توفير جهاز لكل طفل فى سن الدراسة حول العالم، وقامت مؤسسته بصناعة الكمبيوتر المحمول الذى يتميز بخفة الوزن والصلابة. ويعتقد نيجروبونتى أن البلدان النامية ستكون فى الواقع أسرع من الدول المتقدمة فى تبنى الكتب الإلكترونية كما حدث للهاتف المحمول . من جهتها ، دخلت الكتب المصورة المحببة للأطفال العصر الرقمي، وقرر أحد الناشرين فى ألمانيا يملك دار نشر نقل كتب رسوم الأطفال إلى العصر الإلكتروني، باستخدام أحدث المنتجات الإبداعية التى تدمج بين الصور الرقمية وأقدم أشكال الرسوم المتحركة فى هذه الكتب المصورة الشيقة..ولا يستغرق الأمر سوى بضع ثوان فى تحويل هذه الكتب الصغيرة، لتحكى قصة يمكن أن تشمل فى كثير من الأحيان نهاية مفاجئة أو غريبة. وقال هولجر شاك صاحب دار نشر شاك فيرلاج ومقرها مدينة لايبتزج، وهو يقدم النسخة المذاعة من الكتب المصورة فى ألمانيا:إن الكتاب المصور يعتبر من أقدم ضروب التسلية للأطفال، حيث تقدم رسائل سريعة وموجزة، ولا تزال لديها المقدرة على أحداث حالة من الاندهاش والبهجة لدى الأطفال. وتشير دراسة لمؤسسة آى ديت السويسرية أن السوق العالمية للكتب الإلكترونية ستشهد ارتفاعا بنسبة 30% خلال العام الواحد بين الأعوام 2012 و2015، ليصل حجم سوقها إلى 6،6 مليار فرنك (1،7 مليار دولار) فى عام 2015. وطبقا للدراسة فإن سوق الكتب الإلكترونية ستمثل 12% من مجموع سوق الكتاب فى عام 2015، وأن سوق الكتب الإلكترونية ستشهد ارتفاعا قويا يصل معدله العام إلى 24% فى العام الواحد بين الأعوام 2012 و2014، ليرتفع بذلك حجم الوحدات المباعة من 3،3 مليون وحدة فى عام 2010 إلى 8،29 مليون وحدة فى 2014. وسيكون التقدم أبطأ فى أمريكا الشمالية، وهى سوق ناضجة كانت أول من شهدت توسعا فى سوق الكتاب الإلكتروني، مقارنة مع السوق الأوروبية التى تمر حاليا بمرحلة اللحاق بالسوق الأميركية. والدول الأكثر تقدما فى مجال استحواذها على حصة سوق الكتاب الإلكترونى هى الولاياتالمتحدة، وكندا، وبريطانيا، وفى الدول الثلاث هذه لا توجد أنظمة تحدد أسعار الكتاب الإلكتروني. وأكدت الدراسة أن السعر هو العنصر الحاسم فى ازدهار مبيعات الكتاب الإلكتروني، ففى الولاياتالمتحدة على سبيل المثال، الفرق بين السعر المتوسط للكتاب العادى والكتاب الإلكترونى هو بحدود 50\% لصالح الكتاب الإلكترونى فى حين أن الفرق فى فرنسا 20% لصالح الكتاب الورقى مما لا يشجع المستهلك على الاتجاه نحو الكتاب الإلكتروني. وتقول مديرة الدراسات فى مؤسسة دايت صوفى لوبرانو:إنه يجب تقديم الكتاب الإلكترونى بسعر يقل عن سعر كتاب الجيب إذا ما أريد الوصول إلى استهلاك واسع للكتاب الإلكتروني، وتحقيق انتشار أوسع للثقافة. ومقابل طفرة الكتب الإلكترونية فى العالم، تبقى الدول العربية متخلفة بأشواط كثيرة مقارنة بالدول الغربية، نظرا لتدنى حركة التأليف والنشر وانتشار ظاهرة العزوف عن القراءة، حيث أصبح ما يزيد على 100 ألف مواطن عربى يطلعون على نسخة واحدة من كل كتاب مطبوع. ولا يكاد عدد مواقع الكتاب الرقمى الإلكترونى يذكر، ومن أبرزها موقع "كتب عربية" وهى دار نشر إلكترونية عربية تضم حوالى 4 آلاف كتاب إلكترونى عربى ومقرها القاهرة. ويقول مؤسسو موقع كتب عربية إن هدفهم إنشاء مكتبة إلكترونية تماثل مكتبة الإسكندرية القديمة، إلا أنها غير قابلة للاحتراق، لكن تواضع نسبة عدد مستخدمى الإنترنت العرب قياساً إلى العدد الإجمالى للسكان فى الوطن العربى ووجود ضعف فى البنية الأساسية لشبكات الاتصالات سيؤدى إلى تأخير تحقيق هذا الهدف.