مصر تملأ فراغها الأمني بمزيد من القوانين والتشريعات التي تسعى الى احكام القبضة الأمنية على الشارع بعد ان فقدت السيطرة كل السلطات الأمنية في البلاد وسقطت لأعوام هيبة تلك الجهات امام طوفان الثورة البشري الذي جاء من الأساس احتجاجا على انتهاكات واسعة مارستها تلك الأجهزة الأمنية بمختلف تخصصاتها على المواطن البسيط والناشطين بشكل اكثر تحديدا في مرحلة ما قبل الثورة . الا ان تعاقب ثلاثة حكام على مصر في اقل من ثلاث سنوات منذ اندلاع الثورة لم يرأب الصدع بين جمع الشعب الغاضبة وقوات الامن والتي يتم الان تعزيز دورها ومحاولة استعادة هيبتها من حديدة وعودتها للشارع بشكل اكثر ضراوة من خلال قانون التظاهر الجديد والذي يقنن استخدامها للقوة المفرطة في مواجهة المحتجين وتفريق المتظاهرين. هذا القانون الذي ينضم الى فئة القوانين سيئة السمعة التي حذرت منها جهات دولية عدة معينة بحقوق الانسان في العالم . فقد قالت منظمة العفو الدولية انه بسفك الدماء ويعتبر المحتجين مجرمين ، وانه سيقيد بصورة تعسفية الحق في حرية التجمع السلمي ، ويطلق العنان لقوات الامن في استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين . لأي سيما ان اكثر من 1300 شخصا قتلوا في الاحتجاجات والعنف السياسي ، جاء عدد كبير منهم في عمليتي فض اعتصامي رابعة والنهضة ، مستنكرة سماح القانون المصري لقوات الامن باستخدام الذخيرة الحية لتفريق الاحتجاجات التي تهدد الامن القومي او الى حماية الأرواح والمصالح المالية والبنية التحتية ،ناهيك عن الغرامات التي تصل الى 300 الف جنيه والسجن لنحو 15 عاما . في حين اعتبره البعض يعكس رغبة النظام في قمع التظاهرات ما يقر بإعلان الدولة البوليسية ووضعه بديلا لحالة الطوارئ.
قانون التظاهر الجديد الذي الذي يعتبر كل تجمع ثابت لأفراد او مسيرة في مكان او طريق عام يزيد عددهم على عشرة أشخاص بقصد التعبير سلميا عن آرائهم او مطالبهم او احتجاجاتهم السياسية . ويطالبهم بعدم الاعتصام او المبيت والالتزام بحيز من المكان في حين منح قوات الامن ميزة التدخل لتفريق اي تجمع باستخدام مكبرات الصوت ثم خراطيم المياه ثم استخدام الغازات المسيلة للدموع وأخيرا الهراوات . كما ينص القانون الجديد تجاهل واقعا ومنطقا فرضته ملايين المصريين الذين لا تقل أية مليونية احتجاجية لهم عن بروفة صغيرة للإطاحة بحكومة ورئيس في آن واحد . السؤال هنا كيف يمكن حصر ملايين المحتجين في مساحة جغرافية محددة وبإعلام المسئولين عن الاحتجاج ضدهم قبلها بيوم او اكثر اضافة الى تحديد منظمي التظاهرات لتسهيل التعامل معهم او الوصول اليهم في ضوء تحديد التهم التي يقرها القانون بالسجن والغرامة وقبل ذلك الممارسات والانتهاكات غير الانسانية التي يتعرض لها الناشطون المحتجون ضد نظام الدولة . والأولى في هذه الحال اذا ما كانت الدولة تسعى الى الحفاظ على امن المواطن ومصالحه كما ورد في ديباجة القانون ان تصدر لائحة بالانتهاكات المرفوضة التي ترتكبها قوات الامن في حق المواطن سواء كانت في أقسام الشرطة والتي ازدادت في الآونة الاخيرة لتصبح ظاهرة مزعجة تؤرق المواطن المصري من جديد وتجعله يعيد حساباته في الثورة من جديد . الاولى ان تتجه التشريعات الجديدة في مصر بعد ثورة أطاحت برئيسين ومر عليها أربعة حكام حتى الان اثنان عسكريين واثنان مدنيان احدهما ينتمي للتيار الديني ان تقنين حقوق الانسان وتعلي كرامة المواطن في إطار الشعي نحو دولة مدنية ترسخ للحريات ، بدلا من السعي نحو دولة بوليسية عسكرية تقنن الانتهاكات وأدواته وتتجاهل معاناة المواطنين ومطالبتهم . مع الأخذ في الاعتبار ان أربعة ملايين أمكنهم التواجد في بقعة جغرافية واحدة ملتزمين بالسلمية وضربوا مثلا للرقي والتحضر في الاحتجاج السلمي للعالم لا يجب ان يصدر لهم قانونا للتظاهر بقدر ما كان يتوجب على المشرع النظر في وضع قانون للجهة التي قامت بهذه الانتهاكات لأحد منها والقضاء عليها وليس تعزيز سلوكياتها المرفوضة من المجتمع . [email protected]